أشعر بالدهشة تجاه عناوين الصحف التي سجلت صدمتها لرحيل جون كيري وزير الخارجية الأميركية عن المنطقة في ختام جولته المكوكية العاشرة من دون الإعلان عن اتفاق. مصدر الدهشة عندي هو أنه لا داعي للصدمة أو الإحساس بالمفاجأة، وذلك ببساطة لأن مصادر الخارجية الأميركية كانت قد أوضحت قبل وصوله للمنطقة أنه ليس من المتوقع أن يحصل على موافقة نتنياهو وعباس على مشروع اتفاق الإطار وكل ما يريده هو أن يحصل على ملاحظات الطرفين على هذا المشروع ليعمل على أساسها لتقريب وجهات النظر. إن الحديث عن نتائج الزيارة يجب إذن أن يدور في هذا النطاق. لقد نشر موقع «ديبكا» الإخباري الإسرائيلي القريب من دوائر المخابرات الإسرائيلية تقريراً عن وثيقة الاتفاق التي وضعها كيري ليحصل على ملاحظات الطرفين عليها. وطبقاً للموقع تشمل الوثيقة النقاط التالية: 1- في مسألة تبادل الأراضي ستضم إسرائيل حوالي 6.8 في المئة من مساحة الضفة الغربية وتحصل السلطة الفلسطينية بالمقابل على 5.5 في المئة من أراضي 1948. ولست أفهم لماذا لا يستجيب كيري للمطلب الفلسطيني في أن التبادل على أساس مساحة مساوية. 2- في مسألة الممر الآمن الرابط بين غزة والضفة يفضل الأميركيون خط قطار سكة حديدية سريع من دون أي محطات أو توقف بين الضفة والقطاع. وقد أبلغ كيري عباس أن الولايات المتحدة ستمول هذا الخط. وبما أنه سيمر في «أراض إسرائيلية»، فإن المساحة التي سيشغلها (أكثر قليلا من 1 في المئة) ستخصم من المساحة التي ستقدمها إسرائيل للسلطة، وهو ما يجعل نسبة الأراضي التي ستحصل عليها السلطة 4.54 في المئة بدلا من 5.5 في المئة من مساحة الضفة. ويبدو هذا الاقتراح مقبولا من الطرف الفلسطيني. 3- في مسألة القدس يتم تقسيم القدس الشرقية فيما عدا منطقة الحرم القدسي الشريف التي ستوضع تحت إشراف لجنة دولية مكوّنة من الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين والأردن والسعودية. وفي رؤيتي كباحث عربي أن هذا الاقتراح يمثل مكافأة للاحتلال. 4- في مسألة اللاجئين ينشأ صندوق مالي دولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين خاصة في كندا وأستراليا ويتم استيعاب نسبة صغيرة في إسرائيل في إطار لم شمل العائلات. وفي تقديري أن الإجحاف شديد في هذه النقطة خصوصاً أن مصادر أخرى تشير إلى أن كيري يحاول إقناع عباس بالموافقة على الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية مقابل موافقة نتنياهو على عودة نسبة صغيرة من اللاجئين لديارهم في حدود 1948. 5- بالنسبة لغور الأردن يتم إجلاء جميع المستوطنين من هناك وتوضع قوات أميركية على امتداد نهر الأردن وتقام جسور عبور على النهر بين فلسطين والأردن يكون لأميركا حضور أمني فيها. ويبدو هذا مقبولا عربياً. 6- بالنسبة للمستوطنات ستبقى الكتل الاستيطانية الكبرى في إطار السيادة الإسرائيلية ويتركز فيها 80 في المئة من المستوطنين في الضفة، أما 20 في المئة فيخيرون بين البقاء تحت سيادة دولة فلسطين أو «العودة». ويفضل نتنياهو استيعابهم في كتل الاستيطان الكبرى، وهذا معقول في إطار تبادل الأراضي بنفس المساحة. وتردد أن عباس طلب من كيري الحصول على موافقة المجموعة العربية على مشروعه قبل أن يوافق عليه هو. أما في إسرائيل فأعلن ليبرمان تأييده لمشروع كيري باعتباره أفضل ما يمكن لإسرائيل الحصول عليه، وهو موقف يخفف الضغوط «اليمينية» على نتنياهو. والسؤال الآن: ما صورة المشروعات المتطورة التي سيعرضها «كيري» في جولته الحادية عشرة؟