في ظل الموجة الإرهابية التي بدأت تضرب مصر ظهر من يزعم أن الشعب لو ترك مرسي جالساً على الكرسي، وبلع الناس ألسنتهم وقيدوا أياديهم فلم يخرجوا ثائرين علي حكم جماعة «الإخوان» فإن مصر كانت ستتجنب أعمال الإرهاب الأسود التي تواجهها اليوم. وهذا قول تعوزه الدقة، وسنكتشف أنه محض زيف وتضليل، إن اتبعنا مسار البرهنة الآتي: 1 ـ إسقاط أي نظام حكم مستبد أو فاشل أو فاسد في أي دولة في العالم له ثمن، لأن رجال هذا النظام سيقاومون بكل ما لديهم من إمكانيات لإفشال عملية التغيير أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء دفاعاً عن مصالحهم ومنافعهم وربما تصوراتهم ومعتقداتهم. وهذا الأمر ينطبق على «الإخوان» كما ينطبق على المنتفعين من نظام مبارك، والذين شكلوا «زبائنية» تحلقت حوله وحول نجله وتضم كبار رجال الجهاز الإداري للدولة، وكبار رجال الأمن وبعض قيادات القوات المسلحة أيام حكم مبارك، ووجهاء الحزب الحاكم، وأصحاب الحظوة من رجال المال والأعمال ومن معهم من السماسرة، وكبار الملاك في الريف وكبار العائلات وبعض رؤساء القبائل. وإذا كان «الإخوان» قد سلكوا العنف والإرهاب في سبيل استعادة السلطة، لأن أفكارهم وتحالفاتهم تؤدي إلى هذا، فإن بقايا نظام مبارك استعملوا وسائل ناعمة في سبيل الدفاع عن وجودهم ومصالحهم. 2 ـ كان الجميع يتوقعون أن إسقاط «الإخوان» عن الحكم له ثمن كبير، بل إن المواطن البسيط، وحسب مقابلات قمت بها بنفسي قبل ثورة 30 يونيو، كان يتوقع أن يكون الثمن فادحاً وجارحاً، وأكبر بكثير مما يدفع الآن. 3 ـ أي ثمن يدفع الآن أقل بكثير من ثمن بقاء «الإخوان» في الحكم مدة أطول، في ظل غياب مشروع لديهم، وخيانتهم للثورة، وتآمرهم على البلد في ركاب مشروعهم الأممي الذي يزعم السعي إلى «أستاذية العالم»، وتحالفهم مع التنظيمات التكفيرية والإرهابية، وأجهزة استخبارات أجنبية، لتهديد الأمن القومي لمصر. 4 ـ لو استمر مرسي في السلطة كان سيستخدم الإرهاب وسيلة أساسية للدفاع عن حكم «الإخوان»، في ظل تحالف الجماعة مع التكفيريين والإرهابيين. وقد ظهر هذا الأمر جلياً في حصار مجموعة «حازمون» للمحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي، وحرقهم مقر حزب «الوفد» وجريدة «الوطن»، ووقوفهم إلى جانب مرسي في الصالة المغطاة لاستاد القاهرة ليهددوا كل المصريين بالويل والثبور وعظائم الأمور. وعلى منصة «رابعة» قبل ثورة 30 يونيو وقف من يقول: «سنسحقهم» وآخر ينشد: «أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها»، وثالث يؤكد: «مائة ألف مسلح جاهزون للزحف إلى القاهرة إن خرج الناس مطالبين بإسقاط الحكم». ورابع يشير إلى أن قنابل ستزرع بين المجموعات المحتشدة من المتظاهرين السلميين، وتحصد منهم ما تشاء. ولو صبرنا سنة أخرى، ربما سعى «الإخوان» إلى تكوين ميلشيات داخلية مسلحة، سواء من خلال دولاب الدولة، على غرار «الباسيج» الإيراني، أو خارج نطاق الدولة، وهي مسألة ليست مستبعدة على جماعة أصرت على أن تكون «دولة داخل الدولة» ورفضت طيلة الوقت تقنين أوضاعها حتى بعد أن وصلت إلى الحكم. ومعنى هذا أن إرهاب الجماعة كان قادماً في كل الأحوال، وربما يكون أقوى وأفدح وهم في السلطة عن درجته حين فقْدها أو وهم يسعون إلى الانتقام من المصريين مثلما يحدث الآن. فلو كانوا في الحكم كانوا سيستخدمون إمكانات الدولة المادية والرمزية في خدمة الإرهاب، عبر التمويل والحماية وتحييد الأمن وتوفير المعلومات التي تخدم الإرهابيين. وما يزيد الطين بلة ليس الإرهاب فحسب بل إن «الإخوان» في الفساد والاستبداد لم يختلفوا عن نظام مبارك، وهي مسألة أوضحتها في بحث لي عن موقف «الإخوان» من «الإصلاح السياسي» كتبته سنة 2003 حيث قلت: «الإخوان لا يريدون إصلاحاً شاملاً ولا تغييراً جذرياً لنظام مبارك، وإنما يسعون إلى وراثته، ثم إدارة فساده واستبداده لصالحهم. ونظام مبارك والإخوان كانا يتبادلان المنافع، ويسند كل منهما الآخر وإن أظهرا عداء في العلن، أو قامت السلطة بإجراءات تعسفية ضد الإخوان، فهي كانت حريصة على أن يبقوا لتستخدمهم فزاعة للغرب، بعد أن استخدمهم السادات، وهو من أتى بمبارك، سيفاً لضرب اليسار المصري، وإهالة التراب على كل مكتسبات العدل الاجتماعي التي جاءت مع جمال عبدالناصر». ولا ننسى أن نظام الإخوان رفض إصدار قانون العزل أثناء برلمان الإخوان، إلا في اللحظة التي ترشح فيها عمر سليمان، وأخفى نتائج تقرير تقصي الحقائق، وساوم رجال نظام مبارك على ما فيه، فيما دخل رجل الأعمال الإخواني حسن مالك في مفاوضات مع رجال الأعمال الفاسدين ليتقاسموا معهم الثروة على حساب الشعب المسكين. في حين عقد سعد الكتاتني رئيس حزب الإخوان لقاءات مع قيادات الوطني في المحافظات للترتيب للانتخابات البرلمانية التي لم تتم. فيما حل مرسي نفسه ضيفاً على بعض رموز الحزب خلال تجوله بين جولتي الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن التوجه الرأسمالي الاحتكاري، والترتيب للتأبد في الحكم، ولا ننسى ما قاله المرشد محمد عاكف في حوار «آخر ساعة» من أنه ليس لديه مانع من ترشح جمال مبارك للحكم، وكيف مدح مبارك بإفراط، ولا ننسى قول مرسي: أخلينا الدوائر لرجال وطنيين مثل زكريا عزمي وأحمد عز، وبالتالي كل هذه الوجوه كانت ستعود لتطل أيضاً من تحت إبط المرشد. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نقول إن هناك ثمناً آخر يدفعه بعض «الإخوان» الآن، ممن كانوا يعارضون ترشيح الجماعة مرشحاً للرئاسة، أو انتهاجها العنف أو إهمالها الجانب الديني لحساب الصراع على السلطة، فهؤلاء وضعهم قادة الجماعة من القطبيين والمتحالفين مع مشروعات سياسية خارجية إقليمية ودولية، في مهب الريح.