مع انتشار الصراع في سوريا عبر الحدود، زاد العنف الطائفي في لبنان إلى مستويات لم تشهدها في السنوات الماضية. وانفجرت سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية لبيروت التي يسيطر عليها «حزب الله» في الثاني من يناير الجاري، وهو ما أسفر عن مصرع خمسة أشخاص على الأقل وإصابة عشرات آخرين. ولم يكن ذلك الانفجار سوى مجرد هجوم آخر في الحرب الدائرة بين فصائل سنية وشيعية، والتي باتت تهدد الآن بالخروج عن السيطرة، لاسيما بعد مقتل محمد شطح المستشار البارز لرئيس الوزراء السابق المناهض للأسد، سعد الحريري، في بيروت. وفي نوفمبر الماضي، استهدف تفجير انتحاري مزدوج السفارة الإيرانية في لبنان. ويبدو أن انفجار السيارة الأخير والهجوم على السفارة الإيرانية، كانا من تدبير الجماعات السنية، التي تكتسب قوة وزخماً بشكل سريع في أنحاء لبنان. وفي جوهر الحرب الأهلية السورية، يخوض في الوقت الراهن مسلحون لبنانيون من السنّة، وبصورة منتظمة، صدامات عنيفة مع داعمي الأسد من الشيعة والعلويين في مناطق مثل صيدا وطرابلس وشرق وادي البقاع. ودفع التأييد الكبير للثوار السوريين بين المجتمع السني اللبناني ونخبه السياسية، إلى إقبال شباب لبنانيين من السنّة على الذهاب من أجل القتال داخل سوريا. ومع تزايد حصيلة القتلى، تتصاعد مخاوف من أن يدفع القتال المجتمع السنّي المحاصر بدرجة كبيرة في لبنان نحو تشكيل مليشيات واسعة النطاق. واعتقل الجيش اللبناني في الآونة الأخيرة زعيماً سنياً تابعاً لتنظيم «القاعدة» في لبنان، والذي زعم مسؤوليته عن الهجوم على السفارة الإيرانية، غير أن المسلحين السنّة المحليين سرعان ما يمكن أن يتولوا مكانه. وقد بدأت بالفعل الجماعات السنّية تنظيم صفوفها من أجل تقديم المساعدات للثوار السوريين ومواجهة «حزب الله». واستهل البعض بالفعل مواجهةً مع الجيش اللبناني الذي يعتبر المؤسسة الوحيدة الموحدة في البلاد. ومن الناحية التاريخية، كانت هناك دائماً صعوبة في حشد المجتمع السنّي داخل لبنان عسكرياً، وعلى الرغم من أن الطوائف الأخرى شكلت مليشيات لحماية مصالحها، إلا أن المواطنين السنة ظلوا منقسمين في غياب حزب مهيمن قادر على توحيد وحشد الطائفة. ورغم ذلك، تشي الديناميات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي تؤثر على السنّة اللبنانيين بأن حساباتهم ربما تتغير لمصلحة تشكيل ميلشيا كبيرة، خصوصاً وأن العقد الماضي شهد تغيرات جذرية في وضع المجتمع السني في مقابل الجماعات الأخرى المعروفة. ولعل أن الأكثر أهمية كان فشل الأجندة السياسية السنية إبان اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، إذ كانت الحكومة التي هيمن عليها السنّة، والتي انتخبت عقب حادث الاغتيال، مصممة على اجتثاث آثار النفوذ السوري وإنهاء عسكرة «حزب الله»، لكن خابت آمالها في نهاية المطاف. وباءت بفشل ذريع المحاولة الكارثية التي قامت بها الحكومة، في مايو 2008، لتفكيك نظام الاتصالات الذي يُشغله «حزب الله»، وأسفر ذلك عن غزو الحزب لمناطق سنية في بيروت، تاركاً المجتمع السنّي في حالة من الضعف والتشاؤم. وترك عجز السياسيين العلمانيين السنة عن حماية مصالح مجتمعهم فراغاً لزعماء أصوليين ليتولوا القيام بالمهمة، وعليه فقد حشدت عدد من الجماعات الإسلامية في السنوات الأخيرة أتباعاً من خلال التحدث عن مخاوف الشارع السنّي. ويبدو أن مركز التسلح السني في لبنان قد أصبح في مدينة طرابلس الشمالية، فبحسب مسؤولين أمنيين في بيروت، تعتبر هذه المدينة مهد الحركة السلفية في البلاد، وذلك سط مزاعم انضمام كثير من الشباب من المناطق السنية إلى «جبهة النصرة». وتعتبر طرابلس واحدةً من الجبهات الطائفية المتذبذبة في لبنان، فكثيراً ما يتصادم السنة فيها مع الأقلية العلوية هناك. وخلال العامين الماضيين، حصدت أعمال العنف أرواح مئات الأشخاص. ويبدو أن عاصفة متكاملة الأركان تبدأ الآن في لبنان، فاغتيال الحريري، وإخفاق النخب السنية بعد ذلك في ملء فراغ القيادة، ونهوض «حزب الله» كمركز ثقل سياسي وعسكري، ومواجهة الأسد الوحشية للمعارضة السنية... غيرت تماماً ديناميات المشاركة السياسية السنية ونمط نشاطها. ومنحت الحرب السورية فرصاً جديدة وخطيرة للتسلح. ويعلم اللبنانيون السنّة الآن كيفية تنظيم صفوفهم عسكرياً وتدشين ألوية مع جماعات مسلحة أجنبية، بينما يكتسبون الآن الخبرة التكتيكية في ميدان المعركة. وأدى انتقال ما يربو على مليون لاجئ من سوريا، غالبيتهم من السنّة، إلى تغير الهيكل الديموغرافي في لبنان بدرجة كبيرة. وعليه، فإن ما منع اندلاع حرب أهلية في لبنان إلى الآن هو طبيعة انقسام المجتمع السني وتردد الأطراف كافة في أن تصبح متورطة في مواجهة عسكرية مفتوحة. لكن رغم ذلك، ومع تزايد التوترات الطائفية، ربما يصبح المجتمع السني مدركاً أن الصراع الحالي يمثل تهديداً لوجوده. وفي هذه الحالة، ستكتسب رغبة الزعماء -المعتدلين والمتطرفين على حد سواء- في استغلال العنف الحالي لحماية مصالح مجتمعهم، قوة جديدة مؤثرة. ولا ريب في أن مثل هذا التحول يمكن أن يمثل تهديداً كبيراً على ميزان القوة في لبنان، وهو ما من شأنه في النهاية أن يسفر عن اندلاع حرب أهلية جديدة قاتلة. باترسيو أسفورا حيم وكرستوفر ستينتز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»