يقودنا الحديث عن سياسة التهويد التي تمارسها إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة والقدس الشريف بشكل خاص إلى موضوع الهولوكوست (حملات الإبادة الجماعية التي تعرَّض لها اليهود على يد الحزب النازي في ألمانيا بقيادة هتلر)، والذي اعتمدته إسرائيل كمنطلق واستراتيجية لوجودها في المنطقة العربية ولتمرير ممارساتها الاستعمارية في أرض فلسطين المحتلة وجعلته سكيناً حاداً لابتزاز العالم به وديانة لها أسرار كثيرة ووسائل عديدة كلها تم توقيفها لخدمة الأهداف الصهيونية في المنطقة العربية، وقد ظهرت في العقود الأخيرة سلسلة من الكتب والدراسات التي تفسر العلاقة بين أيديولوجية الهولوكوست وبين تكوُّن إسرائيل في المنطقة وممارساتها الاستعمارية في إبادة الشعوب، وقد حطّم هؤلاء المفكرون والمؤرخون بكتاباتهم المحرمات التي حاولت الصهيونية العالمية بكل قوتها ونفوذها ووسائلها المتعددة أن تعمل على إخفائه ومنعه من الظهور للعالم، بل إن الأمر وصل إلى مطاردة أصحابها واتهامهم باللاسامية ومحاكمتهم وتشويههم وتوجيه كم هائل من الشتائم? لهم رغم الحقائق التاريخية والمنهجية والعلمية التي اتبعوها في دراساتهم للكشف عن مثل هذه الحقيقة. وكان كتاب الكاتب الأميركي اليهودي نورمان فنكلشتاين «كيف صنع اليهود والهولوكوست»، أحد الكتب المهمة التي ظهرت في الساحة الفكرية لتفسير مثل هذه العلاقة والربط بينها وبين ما يجري اليوم في أرض فلسطين المحتلة، حيث يكشف لنا «نورمان» من خلال دراسته الكثير من الحقائق والملاحظات والدروس التي تتعلق بموضوع الهولوكوست ويفسر تلك الحقائق والملاحظات من خلال المنطق التاريخي، فهو يقول إن بداية استغلال اليهود والصهيونية العالمية لهذا الأمر وتحويله إلى صناعة ربحية تحرك المصالح الصهيونية السياسية والاقتصادية في العالم كان بعد الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967، حيث أصبح هذا الأمر يمثل نقطة مركزية في الحياة اليهودية. وقبل هذا التاريخ، لم تكن إسرائيل تشكل موضوعاً في المخططات الاستراتيجية الأميركية، ولم يكن لصوت اليهودي في أميركا أي اعتبار، خاصة من الفترة الممتدة من عام 1948 وحتى عام 1967، لكن مع انتكاسة العرب في صراعهم مع إسرائيل عام 1967، واحتياج إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، اعتبرت الولايات المتحدة، هذا الكيان الصهيوني، وكأنه دعم استراتيجي لها في المنطقة. ومنذ نهاية الستينيات، أثبت الصراع بين العرب وإسرائيل أن الهولوكوست سلاح أيديولوجي استخدمته إسرائيل بامتياز في تمرير مصالحها السياسية والاقتصادية وتعميق جذور الاحتلال في فلسطين والقدس الشريف وتقوية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث سهلت إسرائيل الانصهار في الولايات المتحدة وأصبح اليهود في الصف الأول من الدفاع الأميركي وتحول عدد أعضاء التنظيم الصهيوني الأميركي من مئات في عام 1948 إلى عشرات الآلاف في الستينيات وبينت الإحصاءات، كما يشير نورمان أن أكثر الأميركان يعرفون الهولوكوست ولا يعرفون بيرل هارير والقنبلة الذرية في هيروشيما التي أبادت الشعب الياباني، مما جعل النخب اليهودية الأميركية تنشط في استثمار مثل هذه الصناعة وتجعل الاعتبارات السياسية التي تضمنتها سياسة الهولوكوست هي التي توجه سياسة أميركا تجاه إسرائيل ومساعدتها على ممارسة غطرستها في الأرض الفلسطينية المحتلة وزيادة وزنها في المفاوضات والمخصصات المالية والعسكرية. الهولوكوست كانت أكثر حضوراً في ذهن القادة الأميركيين خلال العقود الأربعة الماضية وأصبحت الأيام السنوية لذكرى الهولوكوست حدثاً قومياً وفي خمسين ولاية أميركية تموِّل الحفلات التذكارية. وتعد اتحاد منظمات الهولوكوست أكثر من مائة مؤسسة للهولوكوست في الولايات المتحدة وهناك سبعة متاحف كبيرة للهولوكوست فيها. لقد مكنت الهستيريا المنظمة حول موضوع الهولوكوست إسرائيل من تحقيق العديد من الأهداف أهمها أنها كانت تقوي جانب إسرائيل كملجأ أخير عندما يحتاج لها اليهود وأيضاً الغرب ومكنتها من جمع تبرعات هائلة لتحقيق أهدافها في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية وتسعى لجعل القدس الشريف عاصمة لها.