حفل العام المنصرم بالعديد من القصص، والأخبار، والاختراقات الطبية، التي يتوقع لبعضها أن تغير من خريطة الواقع الصحي العالمي، خلال الأعوام والعقود القليلة القادمة. أحد هذه الاختراقات، تجسد في تمكن مجموعة من الأطباء في الولايات المتحدة، من تحقيق الشفاء لطفلة حديثة الولادة، من مرض الإيدز، وتخليص جسدها من الفيروس المسبب له بشكل تام. هذه الطفلة والتي ولدت لأم مصابة بالمرض، توقع الأطباء أن يتمكن الفيروس أن ينتقل من جسد الأم إلى جسدها، ولذا عملوا على مهاجمته بترسانة متنوعة من الأدوية والعقاقير المضادة للفيروسات، في مرحلة مبكرة جداً، بعد الولادة مباشرة. وعلى عكس المعتاد، لم تنجح فقط هذه العقاقير في تحجيم الفيروس، والحد من انتشاره، بل تمكنت من القضاء عليه تماماً، وتحقيق الشفاء الكامل للطفلة، فبعد مرور عام كامل من وقف الأدوية والعقاقير، لا يوجد أية أثر للفيروس. وإن كان تحقيق مثل هذا الشفاء –على عكس مجرد علاج الأعراض والمضاعفات- لا يتوقع أن يتمكن الأطباء من تكراره في الأشخاص المصابين بالفيروس من فترة طويلة، ولكنه يثير الآمال في إمكانية بلوغ هذا الهدف من خلال أساليب علاجية مختلفة. وبالفعل في بداية شهر يوليو الماضي، أعلنت مجموعة أخرى من الأطباء في الولايات المتحدة، أن علميات زراعة نخاع العظام، قد مكنت مريضين من التخلص من فيروس الإيدز تماماً، ومن ثم التوقف عن تناول الأدوية والعقاقير المضادة. ويقوم الأطباء حالياً بمتابعة هذين المريضين، لمعرفة ما إذا كان الفيروس سيتمكن من العودة مرة أخرى، أم أن الشفاء بمعناه الكامل والتام قد تحقق لهما. الاختراق الطبي الآخر، جاء هذه المرة من اليابان، حيث تمكن مجموعة من العلماء من تخليق براعم صغيرة من خلايا الكبد، بالاعتماد على الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ. ويأمل العلماء أن تخليق مثل هذه البراعم، وزراعة الآلاف منها في جسد المرضى المصابين بفشل الكبد، سيتمكن من إنقاذ حياة الكثيرين من هؤلاء المرضى. فحالياً لا يتوافر علاج فعال لمرضى فشل الكبد، ما عدا زراعة كبد جديد. وفي ظل التكلفة الباهظة لهذا النوع من العمليات، والمشاكل والمضاعفات التي تترافق معها، بما في ذلك ضرورة تناول أدوية وعقاقير مثبطة لجهاز المناعة، حتى لا تهاجم خلاياه العضو الجديد، مع ندرة ما هو متوافر أساساً من أكباد صالحة للزراعة، يلقى الجزء الأعظم من مرضى فشل الكبد حتفهم، قبل أن تتاح لهم فرصة الحصول على كبد جديد. وما يقدمه أسلوب العلماء اليابانيون، هو الاعتماد على الخلايا الجذعية من نفس جسد المريض، مما يتخطى العقبات المتعلقة بتوافر عضو صالح للزراعة، ويجنبه الحاجة لعقاقير تثبيط جهاز المناعة مدى الحياة. ودفعت هذه المجموعة بالحدود الحالية للعلم والمعرفة الطبية إلى آفاق غير مسبوقة، عندما تمكنت من تخليق كلية شبه كاملة، تشريحياً ووظيفياً، في أحد الفئران، ومؤخراً استطاعوا بالاعتماد على الخلايا الجذعية تخليق مخ صغير، في حجم حبة البازيلاء، مطابق لحجم مخ جنين في الأسبوع التاسع من الحمل، يحتوي على القشرة المخية، وعلى شبكية العين، وعلى جزء آخر خاص يؤدي دوراً محورياً في الذاكرة لدى الأشخاص البالغين. وبخلاف هذه الاختراقات، ربما كان الخبر الأكثر انتشاراً وشهرة، والذي سبب صدمة لدى الكثيرين، هو قرار نجمة السينما الأميركية، «آنجيلينا جولي»، بالخضوع لعملية استئصال للثديين، لتجنب الإصابة بسرطان الثدي. وجاء قرارها بعد أن اكتشف الأطباء إصابتها بطفرة جينية، تجعل من احتمال إصابتها بسرطان الثدي تقارب من نسبة 87 بالمئة، وبسرطان المبيضين بنسبة 50 بالمئة. والمعروف أن «جولي» البالغة من العمر 37 عاماً، والأم لستة أطفال، ثلاثة منهم بالتبني، وزوجة الممثل «براد بت»، كانت قد توفت أمها عن عمر يناهز السادسة والخمسين، بعد صراع استمر لمدة عقد كامل مع سرطان الثدي. ولم يخلو العام المنصرم أيضاً من العديد من التحديات الصحية، والإخفاقات الطبية، والتي ربما كان من أهمها ظهور نوع جديد من فيروسات الكورونا، يسبب الالتهاب الرئوي، ضمن ما أصبح يعرف بمنظومة الشرق الأوسط التنفسية، والذي أصاب 170 شخصاً، توفي منهم 72 حتى الآن. الخطر الأعظم الذي يصيب الكثير من العاملين في المجال الصحي بالقلق والأرق، فهو ما تجسد العام الماضي من تفاقم مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وخصوصاً ميكروب السل المسؤول عن وفاة الملايين سنوياً، ولدرجة وصف البعض لهذه الظاهرة بأنها الكابوس الصحي المقترب، داعين للاستعداد والتحضير لما أصبح يطلق عليه عصر ما بعد المضادات الحيوية. هذا في الوقت الذي لا يزال فيه قتلة الجنس البشري التقليدين، مثل أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، والأمراض المعدية، يحصدون حياة الملايين كل عام، على خلفية من تفاقم وباء الأمراض غير المعدية، يجتاح حالياً الجنس البشري الذي يتزايد متوسط عمره أو مؤمل حياته، بما يحمل ذلك من تحديات خاصة، ربما كان أهمها التزايد المضطرد في معدلات الإصابة بخرف أو عته الشيخوخة.