لا شك أن عام 2013 كان عام حزنٍ بالنسبة للمنطقة العربية، حيث زادت مساحات الدم والاجتراءات على حقوق الإنسان. كما زادت ضراوة شذوذ العقل العربي والإسلامي في التفنن في وسائل القتل لدرجة أن مواطناً خليجياً دخل استوديو إحدى المحطات وبيده مسدس قاصداً قتل مذيعة، لأنها لم ترد على تغريداته؟ انظروا إلى أي مدى يتجسد حب الدم ليصل إلى هذا الحد؟ والأنكى من ذلك، وقبل نهاية العام الحزين بثلاثة أيام تقصف آلة الموت في اليمن مجلس عزاء، ليسقط 19 يمنياً مضرجين بدمائهم وبلا رحمة. ولعل أبرز مناطق سفك الدماء كان المسرح السوري. حيث وصل عدد القتلى منذ انطلاقة الثورة في سوريا إلى أكثر من 165 ألف قتيل، لم تقتلهم إسرائيل أو الكائنات الغريبة (Aliens)، بل قتلتهم اليد العربية والإسلامية متضامنة مع آلة النظام العسكرية، حيث ظهرت «فرق الموت» التي سمت نفسها «إسلامية» لتبدأ أولى عهودها بقتل الآمنين من أبناء الشعب السوري. وكم كنا نتمنى أن توجه آلة القتل تلك، والفرق المحتشدة في سوريا، إلى عدو الأمة الأوحد، لصفقنا كثيراً لهذا الإنجاز . ولأن المرض المعدي ينتشر بسرعة، كما هو الخبر السيئ، فإن عدوى القتل الأعمى قد تجاوزت الحدود العراقية، والتي لم تعرف هي الأخرى الاستقرار منذ نهاية حكم الديكتاتور صدام حسين في 30/12/2006، وبذلك وجدت ثقافة «التشظي» و«التشفي» أرضاً خصبة في كل من العراق وسوريا، لتتلاشى شعارات الأمة العربية الواحدة، وتسقط كل رسائلها الخالدة تحت أقدم «شهوة» القتل، وتبدأ حروب مذهبية في العراق الذي لم يعرف الاستقرار منذ دخول القوات الأميركية عام 2003. لم تختلف الصورة ذاتها في مناطق عدة من العالم العربي،ففي مصر، تم إسقاط حكم"الإخوان"، لكن هذه البلاد لم تعرف الاستقرار عام 2013، بل سالت على أرضها دماءٌ كثيرة بيد مواطنيها، وجن جنون الإعلام لدرجة أنه سقط في وحل «لغة الشارع» وفقد عقله، وبدأ المذيعون والمذيعات والمعلقون حرباً كلامية غير عاقلة طالت القريب والبعيد، وتم صبغ هذا الإعلام بلون «دموي» وبطعم «كراهية» لم يسبق لها مثيل. وهذا ما زاد من الشحن العاطفي السلبي، فتناسى الكثيرون هم الوطن، واستحضروا هموم التيار أو الحزب، وبذلك أسقط كثيرون حق المواطنة عن مناوئيهم، وضاع الحوار، تماماً كما ضاعت بوصلة التنمية وآلة تصحيح الأوضاع الاقتصادية المتردية، ومازال هنالك إصرارٌ من أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» على عودة الرئيس المنتخب المعتقل محمد مرسي، وإصرارٌ مضادٌ من مؤيدي الجيش على زوال حقبة «الإخوان» . في اليمن أيضاً أمعنت الأحداث الدامية في تقهقر هذا البلد إلى ذيل قائمة الدول الفاشلة، وما زالت لغة الدم هي الفائزة وهي الأكثر فصاحة في المشهد السياسي، تماماً كما هو حال أهل الجنوب الذين تصر فئات كبيرة منهم على الانفصال عن الوحدة، وإقامة دولتهم المستقلة، وهذا ما أثر على الحوار الوطني، وعدم قدرة الدولة على السيطرة على الأوضاع الأمنية المتوترة. ومازالت حروب الطوائف مستمرة في هذا البلد الجريح. كان السودان قد اعتقد بأن منح الجنوب الاستقلال في دولة جديدة سيكون الحل الأمثل لمشكلاته المستعصية، لكن الأحداث خلال عام 2013 أثبتت أن تلك الخطوة بداية اشتعالات جديدة قرب آبار نفط «أبيي» وبروز نعراتٍ طائفية وعرقية في دولة الجنوب، ناهيك عن استمرار تشابك الأوضاع في دارفور والنيل الأزرق وغيرهما من المناطق التي لا تعرف إلا لغة العصابات والإغارة على الآخر. بل إن دولة الجنوب الوليدة تعرضت لانقسام كبير قبل نهاية العام حيث تفجرت أزمةٌ بين قوات الرئيس المنتخب سلفاكير وقوت نائبه ريك مشار في سعي هذه القوات إلى الإطاحة بالرئيس سلفاكير بعد اشتباكات لمدة أسبوعين، ما سبب الذعر في الجوار الإفريقي والتخوف من حدوث أزمة لاجئين كبرى لو لم يتم احتواء الأزمة. الدماء ما زالت تسيل أيضاً في كل من الصومال، ليبيا، أفغانستان، لبنان وفلسطين. قد يكون جنيف- 1 من المؤشرات الإيجابية التي أدت إلى تفكيك الترسانة الكيماوية السورية بإشراف دولي، وتخليص المنطقة من خطر داهم، فيما لو زاد « جنون» العظمة لدى النظام السوري، وأمعن في استخدام هذا السلاح خارج حدوده. كما أن الالتفات الأميركي -لدرجة 360 درجة- نحو إيران شكل علامة بارزة في علاقة «أس محور الشر» مع « الشيطان الأكبر»؟ وهو أمر لم يكن أحد ليتوقعه. ولقد ترك هذا التحول الجديد آثاراً واضحة على دول الجوار، أقلها: إمكانية تحول العين الأميركية عن العلاقة التقليدية و«المتميزة» مع الحلفاء في منطقة الخليج، من أجل المصالح الاقتصادية، مع الشعور الخفي بانتصار « الدب الروسي» على «الصقر الأميركي» خلال محادثات جنيف- 1، وابتلاع واشنطن الشوكة الإيرانية، لربما على مضض من أجل الوصول إلى التخلص من أسلحة الأسد الكيماوية، مقابل عدم توجيه ضربة عسكرية للنظام في سوريا .بل وزاد ذلك في تعقيد المواقف بين الأطراف المتقاتلة على الأرض في سوريا وسعي كل منها للفوز بالكعكة السورية « المهترئة» خصوصاً فيما يتعلق ببقاء نظام الأسد وفشل فئات المعارضة في اتخاذ موقف موحد، وعدم وجود ما «يلجم» الفرق المتقاتلة على الأراضي السورية عن «شهوة» القتل. بالطبع خذل «حزب الله» الشعب العربي بانحيازه للقتال مع النظام السوري ضد الثورة السورية، في محاولة لحفظ بقاء النظام «العلوي» المساند للحزب، وتخوفاً من سلطة «سنية» تمنع العون عن الحزب، وتقاطع إيران الحليف الأقوى للحزب، وتم الإعلان عن أن هذا الحزب منظمة إرهابية، ولم يفت وقت طويل على هذا الإعلان حتى بدأت العمليات التفجيرية في لبنان، وكان آخرها استهداف الوزير السابق محمد شطح مستشار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري ورجل الاعتدال والثقافة وأحد أبرز قيادات 14 آذار، وتعالت الاتهامات الضمنية والعلنية ضد «حزب الله» وضلوعه في العملية الآثمة التي راح ضحيتها 7 أشخاص و71 جريحاً. إذن، لغة الدم هي اللغة الوحيدة التي تحدث بها عام 2013، وهي وإن كانت تشبع نهم مستخدميها، فإنها أيضاً أدخلت الحزن إلى كل بيت عربي، وحكمت على الفرقاء السياسيين بـ« الأمية» السياسية، لأنها ليست لغة حوار ولا لغة عقل.