قبل أيام، اختار وزير التعليم الأميركي، آرني دونكان، الكلمات المناسبة لإثارة الجدل الساخن حول المعايير الأساسية للتعليم المدرسي. ومثل العديد من مسؤولي التعليم في كلا الحزبين، فإن دونكان من المدافعين عن مبادرة المعايير الأساسية المشتركة، وهي مجموعة معايير للتعليم في أميركا تمتد من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية في جميع الولايات. وأكد دونكان أن مقاومة المبادرة تأتي أساساً من جانب «أمهات البيض في الضواحي» اللائي لا يرحبن بسماع أن أطفالهن لا يلبون المعايير التي أثيرت مؤخراً. واضطر دونكان بالطبع للتراجع عن التعليق الذي اتضح أنه خاطئ. فلم يتم بعد اختبار التلاميذ لتحديد ما إذا كانوا يلبون هذه المعايير أم لا، لذا فإن نتائج الاختبار الضعيفة لا يمكنها أن تؤدي إلى رد فعل عنيف. غير أن الاحتقار الذي يظهر في التعليق يبدو كافياً، حيث إن أنصار المعايير الأساسية للتعليم يرون أن منتقدي هذه المبادرة هم مجموعة من الغوغاء الجهلة. كما أن دعم المبادرة، في دوائر معينة، يعتبر علامة على الجدية في إصلاح التعليم. تركز المعايير التي كتبتها لجنة من الخبراء على التفكير النقدي والتحليل، بدلاً من الحفظ عن ظهر قلب. وتتمثل الفكرة في العمل على ضمان تعلّم الطلاب الأشياء نفسها في المدارس الحكومية عبر أنحاء الدولة. ويتمثل الهدف في تقليل معدلات إصلاح الأخطاء بالكليات والجامعات، ومساعدة الطلاب على التنافس على الوظائف التي تتطلب رفع مستويات المهارات عنها في الأجيال السابقة. وقد أكد وزير التعليم مراراً وتكراراً أن الولايات والمقاطعات والمعلمين يتمتعون بمرونة واسعة في وضع مناهجهم وخطط دروسهم استناداً إلى المعايير. وأضاف أن «الحكومة الفيدرالية لم تكتب المعايير، ولم تصدق عليها ولم تلزم بها... ولن نفعل ذلك مطلقاً. وكل من يقول عكس ذلك فهو إما حصل على معلومات مغلوطة أو تم تضليله عن عمد». غير أن استراتيجية الإصلاح التي تمثلها المبادرة لم تتم دراستها جيداً ومن غير المرجح أن تنجح. تتقدم المنتقدين للمبادرة فئة غاضبة من الشعب عادة ما يتم تضليلها. وبالطبع يمكن للمرء أن يتخيل إحباط دونكان الذي يتعين عليه أن يدحض زعم «جلين بيك» في برنامجه الحواري بأن هذه المعايير تؤدي إلى فحص إلزامي لقزحية العين لأطفال المدارس. وحتى الهجوم الأقل غرابة على المعايير الجديدة يكون في الأغلب مرهقاً، مثل شكوى بتقليل دراسة الأدب لصالح «النصوص الإعلامية». إنهم في الواقع يدعون إلى انقسام بين الواقعي والخيالي في المناهج الدراسية. ويبدأ هذا الانقسام بنسبة 50 بالمئة في التعليم الابتدائي، ثم يرتفع إلى 70 بالمئة معلوماتياً، و30 بالمئة خيالياً بنهاية التعليم الثانوي. وبعبارة أخرى، فإن حصص اللغة الإنجليزية يمكن أن تخصص بالكامل لدراسة الأدب. لكن أنصار المعايير الأساسية لهم مطالبهم المضللة. فهم يقولون إن تبني هذه المعايير من قبل الولايات كان اختيارياً تماماً، حتى وإن كانت حكومات الولايات قد حصلت على دفعة أفضل من الأموال الفيدرالية إلى جانب مساعدات من بعض الأنظمة في حالة قيامها بالتسجيل في المبادرة. كما يقول المؤيدون إن المبادرة ليست منهجاً مشتركاً، حتى وإن كان هناك تمييزاً صعباً وسريعاً بين مطالبة جميع التلاميذ لمعرفة أشياء معينة في وقت محدد ومطالبتهم بتعلمها بترتيب معين. وما تخفيه هذه المناقشات هو أن قضية وجود «أساس مشترك» في المقام الأول هي قضية ضعيفة. قد تكون المعايير الرفيعة ذات قيمة، لكن لماذا يجب أن تكون مشتركة؟ إنها ليست كذلك حتى وإن كانت المعايير المختلفة للولاية تمثل مشكلة كبيرة في التعليم الأميركي. هناك المزيد من التباين في التحصيل داخل الولايات أكثر منه فيما بينهم. وقد تجعل المعايير المشتركة الحياة أسهل قليلا بالنسبة للطلاب الذين يتنقلون عبر حدود الولاية، لكنها أيضاً تعني أننا نفقد فرصة لجعل الولايات تخوض التجربة. أحياناً يقترح مؤيدو المعايير الأساسية المشتركة أنه بمجموعة واحدة من المعايير، يمكن للولايات أن تحدد ما إذا كان أداؤها أسوأ من أداء الولايات المجاورة، وأن ذلك يجعلها حريصة على إصلاح مدارسها. وقالوا شيئاً مشابهاً حول قانون «عدم إهمال أي طفل» الذي أقره الكونجرس قبل عشر سنوات: سوف يعلم الآباء والأمهات أن المدارس فشلت في جعل أطفالهم «يتقنون» الإنجليزية والرياضيات وسوف يطالبون بالإصلاح. لكن الأمر لم ينجح بهذه الطريقة. فقد ثار جنون العديد من الناس عندما وصف القانون مدارسهم بالفاشلة. ورد المسؤولون الفيدراليون والمحليون بوضع حد أكثر انخفاضاً لمستوى الكفاءة. وفي معرض تعليقه على رد فعل الأمهات البيض في الضواحي، أشار دونكان إلى أنه كان يعتقد بأن الآباء سوف يكون لديهم نفس رد الفعل هذه المرة. وفي هذه الحالة، ما الخير الذي ستقدمه مبادرة المعايير الأساسية المشتركة؟ كيف يمكن لذلك الأساس أن يكون مشتركاً؟ إن الممارسات داخل الفصول لا تعكس دائماً المعايير المكتوبة في الوثائق الرسمية لوزارة التعليم. هذا أحد الأسباب التي تجعل المعايير الصارمة للدولة لا ترتبط بالتحصيل العلمي للطلاب. لكن ضمان الاتساق في الممارسة سوف يتطلب نوعاً من الإدارة المركزية الصارمة التي ينكر مؤيدو مبادرة المعايير الأساسية المشتركة حاجتهم الشديدة إليها. المشكلة الحقيقية في المعايير المشتركة ليست كونها تمثل «الأخ الكبير» (الشخص المتحكم) في الفصول الدراسية، لكنها تبدو وكأنه من غير المرجح أنها ستقدم الكثير لزيادة كمية التعلم التي يقوم بها الطلاب. ربما يرجع ذلك إلى أنه لا يوجد الكثير لفعله، على الصعيد الوطني، لجعل التعليم من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية أفضل. يجد الكثيرون من مصلحي التعليم أنه من الصعب الاعتراف بذلك. لذلك فإن النقاش حول المعايير الأساسية المشتركة هو عبارة عن دورة قاتمة من ازدراء النخبة والغضب الشعبي، وكل جانب يغذي الدوافع السيئة للجانب الآخر. -------- راميش بونورو زميل زائر في معهد أميركان إنتربرايز --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»