مرت الذكرى السبعون على استقلال لبنان، ذلك البلد الذي جمع الشتات الاثني والديني واستطاع التعايش مع تشكيلاته الاجتماعية لعقود من الزمن ليواجه اليوم أزمة تجسد لنا أزمات العرب. فلبنان هو الساحة التي تشهد معارك العرب وتصفياتهم، ولبنان قُدِّر له أن يدفع ثمن خلافات العرب. كانت مناسبة عندما حضرنا الحفل اللبناني بمناسبة العيد الوطني وكانت فرصة نلتقي فيها ببعض الشخصيات اللبنانية التي تفضل بدعوتها صديقنا السفير خليل كرم، سفير لبنان لدى «اليونيسكو». فالحفل مثّل لنا الألم والفرح اللبناني، وهذا ما يميز لبنان في تعايشه مع الألم. دار في مخيلتي الوضع الذي وصل إليه لبنان وكيف استطاع «حزب الله» الذي يترأسه زعيم «المقاومة»، كما يقولون لنا. فهو الزعيم الذي يصيح بصوته الجهوري لأجل تحرير فلسطين ولبنان، والذي أضاف لنا علامة في قاموس الصمود بعد معاهدة كامب ديفيد هو وحزبه الذي صمت أمام فتح الباب السوري للمفتشين الدوليين لكي يقضوا على كل ما تبقى من أحرف المقاومة التي ردحوا بها لعقود طويلة. رجعت بي الذاكرة إلى الوراء وأخذت أتذكر تاريخ قيام الدولة اللبنانية في فترة انهيار الخلافة العثمانية، ودور النخب المسيحية في بلورة مشروع الدولة البعيدة عن الصراعات الإسلامية لكي تمثل أحد النماذج الحية للتعايش بين الأديان والعقائد الفكرية. فكان للمفكر اللبناني «ميشال شيحا» الدور الأبرز في تقديم تصورات تعايشية للهوية اللبنانية. ونتذكره لإسهاماته الكبيرة التي لم يبق منها سوى كتاباته الغنية بالأفكار، عندما نتذكر ظروف ظهور «حزب الله» الذي برز كحزب شيعي بقيادة إيرانية وسورية في الثمانينيات، وكيف تحول إلى أداة فاعلة تمثل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. «حزب الله» رفع شعار المقاومة وحصل على تأييد من السنة والشيعة وأوهمنا جميعاً أنه الحزب الذي طال انتظاره ليخرجنا من أزمتنا الطاحنة بعد أن مللنا المقاومة المعتادة التي أخرجت لنا «حماس» وغيرها من تنظيمات ضيعت خطاها عندما دخلت في صراعات عربية وتحولت إلى أدوات تتحرك وفق توجيهات محركها. يا ترى ماذا بقي لـ«حزب الله» أن يقوله لنا؟ فهو استنفذ كل أحرف قاموس المقاومة، ولا أعرف ما إذا كان فينا من يؤمن به بعد تحالف مع النظام السوري سوى أنصاره المغيبين الذي يعيشون على مساعداته في ظل عجز الدولة اللبنانية وسيولة الأموال الإيرانية، خصوصاً بعد مفاوضات رفع الحظر والتصالح الدولي مع إيران. ربما نكون من السذاجة إذا ما اعتقدنا أنه سوف يغير من بلاغة خطاب المقاومة، فهو اعتاد التزييف كما اعتادته أغلب أحزابنا العربية التي مازالت تغني ليل نهار أغنية المقاومة!