اختتمت بمدينة فاس فعاليات منتدى فاس السنوي في دورته العاشرة حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورومتوسطية في موضـوع: «عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي» وقد توقف المتدخلون مطولاً عند آليات منظومات التربية والتكوين والتعليم والبحث العلمي، وتوقفوا بشكل خاص عند التغيرات السياسية في العديد من الأوطان العربية والطريق الخاطئ الذي اتبعته بعض الدول وعدم وقوفها عند أولويات المرحلة، وعلى رأسها الاستثمار في العامل البشري... فدول كاليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية استثمرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في المورد البشري فأصبحت دولاً متقدمة، وأصبح البحث العلمي فيها متطوراً وغدت دولاً يضرب بها المثل... كما يكفي الرجوع إلى تقارير التنمية البشرية لتمثل ذلك... وحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 فإن اليونان وحدها تترجم إلى اللغة اليونانية أضعاف ما تترجمه الدول العربية الاثنتان والعشرون حيث لم يتجاوز مجمل الكتب المترجمة إلى العربية 300 كتاب، ومند سنوات، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنشر تقرير حظي بقراءة واسعة النطاق، وأثار الكثير من الجدل والإشكالات. وتناول التقرير بالدراسة والفحص تقدم المنطقة العربية باتجاه تطوير المعارف والمهارات والمؤسسات التي تحظى بتقدير في الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر. وقدمت تلك الدراسة التي جاءت تحت عنوان «تقرير التنمية البشرية العربية: نحو بناء مجتمع المعرفة» شرحاً شاملاً في ما يخص «الخلل المعرفي» بالإضافة إلى وصفات شاملة للإصلاح. وأكد التقرير على أن هذه الإصلاحات يجب أن تكون بدافع عربي صرف؛ ولكنه اشترط أن يقوم العرب بأنفسهم بهذه الإصلاحات، مع تأكيده على ضرورة انفتاح العرب على العالم، وزيادة مشاركتهم في الشؤون العالمية. إن وطننا العربي له كل الإمكانيات المطلوبة، ويكفي زيارة شركة «الإيرباص» أو شركة «بوينغ» أو شركة «رينو» و«فولفو» لصناعة السيارات حيث ستجد العرب يشتغلون في كل جزئيات التصنيع والتخطيط والتسيير، وإذا سألتهم فستجد عندهم رغبة أكيدة لاستثمار معارفهم خدمة لبلدانهم ولوطنهم العربي. وقد دعا المتدخلون إلى سياسة عربية موحدة تمكن من انبثاق ونمو وإدخال كل الطاقات البشرية العربية في مجال التنمية التشاركية، ونكون بذلك قد حققنا وسائل للتغيير نحو الأنماط المجتمعية التي تسمح بها، وبذلك خرج المنتدى بعدة توصيات مهمة لعل أبرزها: - إن المرحلة الراهنة التي تمر منها الدول العربية مرحلة صعبة، وتحتاج إلى بناء الثقة داخل الدولة وبين الأفراد والأفراد والمؤسسات. - إن المحور الذي يدور عليه كنه النجاح أو الفشل هو عامل الثقة الذي يغرسه حاملو لواء التغيير في المجتمع، فإذا كثر الشك ونمت بذوره، عمّت الفوضى وفقدت الفضائل السياسية من المجتمع جملة واحدة ولا تزال في انتقاص إلى أن يصبح استحكام قواعد الديمقراطية أمراً صعباً بل مستحيلاً. - إن تحطيم قواعد الدولة الفكرية والمادية، وإزالة عناصر القوة والتوحد، وإزالة النسيج الداخلي المتسم بمقومات الأمن والاستقرار، هو ضياع للوقت وعرقلة للجهد في بناء المؤسسات واستتباب الأمن. - على الدول العربية التفكير في أولويات المرحلة وهي الاستثمار المثمر في العامل البشري والرقي به إلى أسمى معاني التطور والتكوين والتعليم والاستثمار الصحيح في البحث العلمي. - الارتقاء بجودة تدريس العلوم والتقنيات على مستوى المناهج وفي جميع المسالك الدراسية، وذلك أيضاً بتشجيع النهج القائم على التجربة والملاحظة والتمييز والتفكير من أجل الحصول على استيعاب جيد للمعارف وتنمية الثقافة العلمية والتقنية... ولا غرو أن النشر المنهجي لهذه الثقافة، كما يؤكد ذلك التقرير الأخير لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات في موضوع «واقع البحث العلمي وتوصيات من أجل النهوض به»، انطلاقاً من مؤسسات التعليم والجامعات ومراكز البحث وعن طريق استعمال وسائل الإعلام السمعية والبصرية، ينبغي أن تصبح له مساهمة ملموسة في تنمية الأوطان العربية. - إن تطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من العولمة والتدويل، بتركيز التعليم العالي، وتقدم تقنيات المعلومات والاتصال، وتسويق المعرفة. - لقد خلخل تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال مناهج التعليم والتعلم، حيث أصبح من الصعب على أستاذ الجامعات العصرية، غير الملم بالتقنيات الجديدة أن يتماشى مع طلاب هم على دراية كبيرة بوسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت. -إذا كان تسويق المعارف إحدى أولويات الجامعة، فيجب أن تكون هذه الثقافة حاضرة في حكامة التعليم العالي في شكل مكتب للعلاقة بين الصناعة والجامعة. فالمثلث جامعة- حكامة- صناعة، يجب أن يكون عملياً، كما يجب أن تتحمل البرامج ذات التمويل الملائم مسؤولية نمو البحث والتنمية (R&D ). ثم إن تكوين الأساتذة والطلاب على مبادئ وممارسات تسويق المعارف، يسهم في نجاح هذه البرامج. وإضافة إلى ذلك، فقد تبين أن الأساتذة ذوي الخبرة في المقاولات الخاصة (المهندسين مثلاً) هم الأكفأ لتحويل نتائج البحث إلى منتجات قابلة للتسويق.