نقل التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع يوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2013 أمام السفارة الإيرانية في بيروت ساحة معارك الحرب الدائرة في سوريا إلى قلب بيروت، الرسالة الدموية التي حملها التفجير الانتحاري المزدوج مزدوجة المضمون والأهداف، فمن ناحية يوجه رسالة مباشرة لإيران ومعها «حزب الله» حيث أعلنت كتائب عبدالله عزام المرتبطة بتنظيم «القاعدة» والمتمركزة في لبنان، مسؤوليتها عن التفجيرين وهددت بمزيد من الهجمات ما لم تسحب إيران قواتها من سوريا، حيث يقاتل مقاتلو «حزب الله» اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية و«فيلق القدس» من الحرس الثوري الإيراني الداعمة لنظام الأسد، ومن ناحية أخرى فتوقيت التفجير كان عشية استئناف المفاوضات بين إيران ودول مجموعة 5 + 1 (التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن فضلاً عن ألمانيا) حيث أعلن يوم أمس الأحد في جنيف التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفق ما أعلن المتحدث باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، حيث التحضيرات جارية الآن في الأمم المتحدة في جنيف للإعلان رسمياً عن هذا الاتفاق. فالاتفاق المتوقع وما قد يترتب عليه من رسم لدور إقليمي جديد لإيران في الشرق الأوسط تعترف به واشنطن والعواصم الغربية يثير مخاوف اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية وتركيا ويلقي بظلاله على الدور الإيراني في المنطقة، وعلى الملفات الساخنة فيها وأبرزها الحرب الدائرة في سوريا وتحالفات إيران في المنطقة خاصة علاقتها مع «حزب الله". لقد ظل لبنان إلى حد ما بمنأى عن الحرب الدائرة في سوريا، فالأطراف السياسية اللبنانية الداعمة والمعارضة للنظام السوري تكتفي بالمعارك الدائرة في سوريا ولم ترحب بنقل المعركة إلى داخل الأراضي اللبنانية على رغم محاولة استدراج «حزب الله» للمواجهات الطائفية للبنان إلا أن الأطراف السياسية اللبنانية ترفض لبننة أخرى للبنان بسبب الحرب في سوريا. ويرسم التفجير الانتحاري عدة سيناريوهات للوضع في لبنان أسوؤها هو أن ينجر لبنان إلى الحرب الدائرة في سوريا بالكامل لتصبح بيروت ثاني العواصم العربية من بعد بغداد التي تغرق في مستنقع الحرب السورية، فيما السيناريو الثاني يفترض أن يتحول لبنان إلى ساحة عراقية أخرى لتصفية الحسابات بين المنظمات «الجهادية» السنية والمنظمات الشيعية وعلى رأسها «حزب الله» عن طريق التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة دون أن تتورط الدولة اللبنانية في الصراع في سوريا بشكل مباشر. والسيناريو الثالث هو أن يتخذ «حزب الله» خياراً استراتيجياً بأن ينأى بنفسه فعلاً لا قولاً عن الأزمة السورية وألا ينجر لمخططات الأطراف الإقليمية أياً كانت لتفجير الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في لبنان، وهو سيناريو قد يصعب تخيله ولكن يظل ممكناً في ظل اللعبة السياسية وحساب الأرباح والخسائر على المدى الطويل. لقد أعاد التفجير الانتحاري ضد السفارة الإيرانية إلى الأذهان أكبر المخاوف اللبنانية مذكراً بحادثة بوسطة عين الرمانة التي أشعلت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل من عام 1975، وحادثة بوسطة عين الرمانة هي المواجهة المسلحة التي جمعت مسلحيين لبنانيين من حزب الكتائب ومجموعات مسلحة فلسطينية في شارع عين الرمانة في إحدى الضواحي الشرقية لبيروت. لقد أشعلت المواجهات آنذاك نار الفتنة الطائفية واحترق لبنان لـ 15 عاماً وتساقط عشرات الآلاف من الضحايا في عمليات قتل واختطاف وتعذيب وتشريد، واقتصاد مدمر ودولة فقدت مقومات الدولة الحديثة. يجب ألا يسمح اللبنانيون بأن يعيد التاريخ نفسه بتفجير السفارة الإيرانية، فما حدث آنذاك في عين الرمانة لم يشكل مفاجأة، لقد كان الانفجار متوقعاً، ولكن الفرقاء والساسة اللبنانيين اليوم أكثر وعياً من تبعات الشحن الطائفي وبلعب الأطراف الإقليمية والدولية على أوتار الطائفية في لبنان، فلبنان قد يدفع الثمن غالياً.