لأول مرة يشعر جميع حلفاء الولايات المقربين والاستراتيجيين بالقلق والريبة من سياسات ومواقف واشنطن من القضايا المهمة الضاغطة والمهددة لأمنهم. ونرى ذلك بوضوح من السعودية إلى مصر، ومن إسرائيل إلى تركيا.. وهذه دول أساسية ومهمة ومؤثرة في الشرق الأوسط، كل منها بطريقتها التي تميزها... ناهيك عن الحلف الاستراتيجي مع واشنطن الذي يمتد لعقود... والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا جميع حلفاء واشنطن قلقون وغاضبون ومختلفون معها؟! من يتابع التخبط وقلة الإنجازات في الأداء الأميركي في المنطقة لا يستغرب رؤية سجل خالٍ من النجاح. فلا تقدم يُذكر، بل ثمة تراجع في عملية الصراع العربي الإسرائيلي، واستقالة الوفد الفلسطيني المفاوض أكبر دليل على ذلك الفشل بعد أشهر من استعادة المفاوضات التي تبقى مراوحة في مكانها بين التسويف وتغيير الواقع والجغرافيا والديموغرافيا.. واستمرار بناء إسرائيل للمستوطنات وتوسعتها هو استهتار وإهانة واضحة للطرفين الأميركي والفلسطيني معاً. ومصر اليوم مرتبطة بعلاقات ودية وحميمية مع موسكو أكثر من واشنطن، وتستعد لتوقيع صفقة أسلحة روسية متطورة تقدر بأكثر من ملياري دولار.. وتركيا مستاءة من الضغوط الأميركية التي تقيدها عن تزويد المعارضة السورية وخاصة الجيش السوري الحر في الداخل بأسلحة متطورة كالأسلحة المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطائرات بما يمكن أن يغير من موازين القوى على الأرض، ما سيؤدي لإضعاف نظام الأسد وبالتبعية حلفائه وعلى رأسهم إيران و«حزب الله» والميليشيات العراقية وغيرها. أما السعودية فللمرة الأولى يخرج إلى العلن خلافها مع واشنطن خاصة حول مصر، وسوريا والتقارب بين واشنطن وإيران. وكل ملف من تلك الملفات لا تتفق فيه السعودية، ومعها بعض الدول الخليجية، مع سياسة واشنطن تجاهه. ولذلك رفضت السعودية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن، وصعدت من مواجهتها مع واشنطن بحديث رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان عن اختلاف مع واشنطن وتغير في مسار التحالف السعودي الأميركي.. ولكن وزير الخارجية الأميركي في لقائه مؤخراً مع الملك عبدالله ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل -لرأب الصدع في العلاقات- أشاد بالعلاقة الاستراتيجية مع السعودية، وقلل أيضاً سعود الفيصل من عمق الخلافات مع واشنطن التي وصفها بالتكتيكية، وأنها ليست حول الاستراتيجية أو الأهداف. ولكن مع ذلك فالعلاقة بين الرياض وواشنطن تشهد شداً وجذباً وغياب الثقة وخاصة فيما يتعلق بأبعاد ونهايات التقارب بين واشنطن وطهران. ومن وجهة نظر سعودية، وخليجية أيضاً، أن أي اتفاق مع إيران يقتصر على الملف النووي ولا يشمل الملفات الأخرى، سيُطلق يد طهران أكثر لتستقوي به للتدخل في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا والعراق واليمن ولبنان. وهذا سيعني انتصاراً للمشروع الإيراني والهيمنة على المنطقة. ولا يقتصر القلق على حلفاء واشنطن العرب وتركيا فقط. فالحليف الأول أيضاً إسرائيل، على لسان نتنياهو، وخاصة من على منبر الأمم المتحدة، تشكك هي أيضاً وترفض أي صفقة بين القوى الكبرى وإيران. وخاصة إذا كانت لا تتضمن وقفاً كلياً وتفكيكاً لبرنامج إيران النووي بما فيه الوقف الكلي لبناء مفاعل «آراك» للماء الثقيل وتسليم اليورانيوم المخصب! وهو بالتأكيد ما ترفضه إيران. ولذلك علق نتنياهو قائلاً إن «الصفقة بين إيران والقوى الكبرى هي صفقة العصر بالنسبة لطهران وصفقة سيئة للعالم..»، وإن إسرائيل ستقف ضد إيران حتى لو اضطرت للقيام بعمل بمفردها.. أما أوباما فأقصى ما يمكن أن يطمئن به جميع حلفاء واشنطن هو تكرار القول إن الولايات المتحدة لن تسمح بإيران نووية. أما في الملف السوري فهناك غياب واضح للقيادة الأميركية وللأفكار الخلاقة ما يؤرق السوريين وحلفاء واشنطن مثل تركيا والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. حيث تبدو أميركا مهتمة بعقد مؤتمر جنيف 2 أكثر من إيجاد صيغة استراتيجية لتغيير المعادلة العسكرية على الأرض، في الوقت الذي تزداد فيه قوة وحضور وخطورة التنظيمات «الجهادية» التي تصفها واشنطن بالإرهابية، وتصفها سوريا وحلفاؤها بالتكفيرية.. بينما يقلل من شأنها سفير إسرائيل الذي يستعد لمغادرة واشنطن قائلاً إنها «استبدال لخيار سيئ بخيار سيئ آخر». ولكن تراجع أميركا عن توجيه ضربة للنظام السوري، ومنع حلفائها من تزويد المعارضة السورية وخاصة الجيش السوري الحر بسلاح نوعي لتغيير موازين القوى على الأرض، زاد من الخلاف ورفع من منسوب القلق لدى حلفاء واشنطن. ويُخشى اليوم مع ما سجل في التفاوض حول ملف إيران النووي، من تجاوز إيران الخط الأحمر كما كان الحال في تجاوز الأسد للخط الأحمر باستخدامه الكيماوي أكثر من 12 مرة دون عقاب. وقد تم الاتفاق على تدمير السلاح الكيماوي السوري مع بقاء الأسد ومفاخرته بأنه هو من كان يجب أن يفوز بجائزة نوبل وليس الوكالة الخاصة بمنع السلاح الكيماوي التي فازت بالجائزة، لا بل قد لا نستغرب إذا ما قرر الأسد الترشح للرئاسة في صيف عام 2014! طبعاً مواقف واشنطن تلك، تثير غضب وسخط حلفائها الذين لا يفهمون اللامبالاة الأميركية وعدم الحسم والتردد وخاصة وهم يجدون أنفسهم في الخندق المعادي للنظام السوري مع واشنطن بينما في الخندق المعادي يجدون النظام السوري وإيران و«حزب الله» الخصوم الرئيسيين لواشنطن وحلفائها. وفوق ذلك يرون أن أميركا لا تلتفت لطمأنتهم وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، كما فعل أوباما مع نتنياهو الذي اتصل به لطمأنته على مسار المفاوضات بين مجموعة الدول الكبرى وإيران، وأنها لن تكون على حساب أمن إسرائيل. بل فوق ذلك يتابعون بقلق التقارب والغزل بين واشنطن وطهران! ولذلك مفهومٌ الآن انزعاج حلفاء واشنطن في المنطقة الذين يرون غياباً واضحاً للدور والقيادة الأميركية في التعامل مع واحد من أخطر الملفات في الشرق الأوسط بسبب التأخر في إنهاء المأزق السوري، وخاصة أن تفاقم الأزمة في سوريا يدفع المنطقة لحافة حرب إقليمية. ويزيد من الاحتقان والمواجهة الطائفية بين السنة والشيعة التي تتمدد كالنار في الهشيم في المشرق العربي من بيروت إلى بغداد مروراً بدمشق. كما سياسة واشنطن الخارجية التي وصفها رئيس لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأميركي بـ«المفلسة»، ساهمت في أجواء القلق والشعور بعدم الحسم، وزادت الهواجس مع عودة خطر أنشطة «القاعدة» والجماعات الموالية لها، كما نشاهد في سوريا والعراق ولبنان. لقد بات على واشنطن المنكفئة الالتفات إلى هواجس ومطالب حلفائها وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وممارسة دور القيادة لطمأنة الحلفاء بالتزاماتها ومواقفها، وبأن أي اتفاق مع إيران لن يكون على حساب حلفائها الخليجيين. وأن هناك مقاربة واستراتيجية فعالة للتعامل مع الأزمة السورية، وجدية في تفعيل الدور الأميركي في عملية السلام. وعلى واشنطن أيضاً أن تقرن الأقوال بالأفعال، وتأخذ مطالب وهواجس حلفائها على محمل الجد، وإلا سيزداد هامش الخلاف وعدم الثقة بين الطرفين ما سيضر بمصالحهما معاً!