واجه رؤساء الولايات المتحدة الذين فازوا بولايات ثانية أزمات كبرى في السنوات الأخيرة لتقلدهم مهامهم كصنّاع للقرار التنفيذي في بلدهم. فلقد عاد نيكسون إلى السلطة عام 1972 عقب انتصار انتخابي كاسح وبأغلبية عريضة وكأنه كان على موعد مع استحقاقات فضيحة ووترجيت المجلجلة التي استأثرت لفترة بضع سنوات باهتمام العالم كله، حتى اضطر بسببها إلى الاستقالة عام 1974. ثم جاء خليفته جيرالد فورد وبعده جيمي كارتر اللذان لم يتمكنا من الفوز بولاية ثانية. إلا أن الرئيس رونالد ريجن الذي فاز في انتخابات 1984 بولاية ثانية واحتفظ بكرسيه في البيت الأبيض سرعان ما وجد نفسه في مواجهة فضيحة «إيران كونترا» التي أنهت رئاسته بسرعة. ثم جاء دور بيل كلينتون الذي فاز في انتخابات الترشح لولاية ثانية عام 1996 بأغلبية كبيرة ليجد نفسه أمام فضيحة موظفة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي التي أثارت أخبارها ضجة مهولة. وأتى دور جورج بوش الإبن الذي فاز بولاية ثانية بأغلبية ضئيلة عام 2004 ليجد نفسه متورطاً وغارقاً في معمعة الحرب العراقية المدمرة وليواجه أسوأ أزمة مالية شهدها العالم منذ «الكساد العظيم» لأعوام عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. والآن، يواجه أوباما أعظم الاختبارات المؤلمة خلال رئاسته. فعلى صعيد مواجهاته غير الحميدة مع الكونجرس، تحول مشروع قانون الرعاية الصحية «أوباماكير» إلى مأساة حقيقية بسبب الأخطاء التقنية التي لا تُعد ولا تُحصى في النسخة التطبيقية الإلكترونية للقانون والفشل الذريع للتصريحات الصادرة عن مسؤولي البيت الأبيض في محاولة تبرير وتفسير هذه الأخطاء وشرح مخططات حلّها. وللمرة الأولى خلال فترته الرئاسية الثانية فوجئ بأعداد متزايدة من أعضاء الحزب الديموقراطي (حزبه) ينتقدون سياسات البيت الأبيض. وذهبوا حتى إلى تأييد الجمهوريين (خصومه الألدّاء) في سعيهم لتعديل وتصحيح بنود مشروع الرعاية الصحية. وحتى نكون صادقين أمام إدارة البيت الأبيض، لابد من الإشارة إلى أن إصلاح العيوب التي تعتري البرنامج الإلكتروني التطبيقي لقانون الرعاية الصحية هو أمر بالغ التعقيد والصعوبة، وأن ارتكاب الأخطاء في تصميم أي نظام من هذا النوع هو أمر حتمي في البداية، وهي الأخطاء التي تظهر في الأشهر الأولى لإطلاقه واستخدامه. لكن السؤال المحرج والدقيق المطروح أمام أوباما الآن هو: متى يمكن إزالة هذه الفوضى التي اعترت النظام، ومتى سيتمكن الرأي العام الأميركي من التعود على تشغيله، مع العلم أنه صُمم نظرياً لجعل الضمان الصحي في متناول كل الناس، بغض النظر عن دخلهم وطبقتهم الاجتماعية وعمرهم وحالتهم الصحية السابقة. يقول المتفائلون إن كل البرامج التطبيقية الإلكترونية الحكومية المعقدة ذات العلاقة بالرعاية الصحية كانت تعاني من مشاكل مستعصية، إلا أن الخبراء تمكنوا من الوصول بها إلى الحلول المناسبة في آخر المطاف. أما المتشائمون، بمن فيهم الجمهوريون الذين لا يتوقفون عن السعي لإسقاط أوباما، فإنهم يتمنون أن يشهدوا واقعة السقوط الكامل والسريع للنسخة الإلكترونية لبرنامج «أوباماكير»، وهم يعتقدون أن البرنامج لا يمكن إصلاحه وإعادته إلى العمل على الإطلاق، وأن مشروع إصلاحه سيكلف الخزينة الكثير من الأموال، وأن الشعب الأميركي سوف يرفض التعامل به في النهاية. وجاءت ثالثة الأثافي التي أضيفت إلى متاعب أوباما الداخلية، من خلال المشكلة التي يواجهها في أحد أهم بنود سياسته الخارجية وتتعلق بالخلاف مع نتنياهو حول قضية النووي الإيراني. فقد قرر نتنياهو إطلاق تحدٍّ علني لا يمكن التراجع عنه لمحاولات الولايات المتحدة وشركائها التفاوض حول صفقة ضمنية مع إيران من أجل احتواء برنامجها النووي مقابل التخلي عن نظام العقوبات الدولية المطبق عليها منذ بضع سنوات. يأتي هذا التوجه في وقت تسعى فيه إسرائيل وبعض مؤيديها في الكونجرس إلى فرض عقوبات جديدة على طهران. ولقد سبق لتلك العقوبات أن أضعفت الاقتصاد الإيراني إلى الدرجة التي دفعت صناعة الغاز الطبيعي الإيرانية إلى إعلان إفلاسها. ويمثل تفاقم الخلاف بين واشنطن وإسرائيل أخباراً سيئة بالنسبة للبيت الأبيض لأن إسرائيل لا تكتفي بالاستئثار بالدعم الهائل من الكونجرس الأميركي، بل إن كل المرشحين الطامحين للرئاسة يعلمون حق العلم أن الانحياز ضد إسرائيل في القضايا ذات العلاقة بالمسائل الأمنية، هو انتحار سياسي حقيقي. والطريقة الوحيدة المتاحة أمام أوباما لمواجهة هذا التحدي هي تجاوز المشاكل الهامشية والتواصل مع الرأي العام الأميركي الذي أصبح يشعر بالسأم والتعب من الحروب الخارجية حتى بات بالإمكان إقناعه بأن السياسة الأميركية إزاء إيران أقل خطراً من التحدي الذي يريده نتنياهو عن طريق المواجهة العسكرية أو الاقتصادية على أقل تقدير. وخلافاً لما كانت عليه أحوال نيكسون وريجن وكلينتون، لم يواجه أوباما حتى الآن فضيحة شخصية من خلال أسلوب تعامله مع برنامج «أوباماكير» أو إسرائيل. إلا أن صورته كصانع قرار قوي يمكنه أن يأمر ليُطاع في الحال، أصابها أذى كبير وتشوه خطير. ولا زالت أمامه ثلاث سنوات لإصلاح المسار وابتداع سياسات يمكنها أن تضيف نقاطاً إيجابية إلى إرثه كرئيس للولاية المتحدة على مدى فترتين رئاسيتين. كما أن من الضروري أن يثبت الآن قوته التي يستمدها من السلطة الهائلة التي يحتكم إليها كرئيس للولايات المتحدة، وأن يظهر صلابته خلال ما تبقى من فترته في البيت الأبيض إذا أراد أن يتذكره الناس فيما بعد على أنه أكثر من مجرّد إنسان ذي سيرة سلوكية حسنة، لاسيما وقد تصادف أنه أول رئيس أميركي من أصل أفريقي.