ضرب إعصار «هايان» الفلبين في 8 نوفمبر الجاري، مما أودى بحياة الآلاف وأضر بالملايين، علاوة على تركه مئات الآلاف من الفلبينيين بحاجة للمساعدة. إن كارثة طبيعية بهذا الحجم تتطلب جهود إغاثة ضخمة، وقد أخذت الولايات المتحدة بزمام المبادرة: حيث أرسلت حاملة الطائرات جورج واشنطن، لتوزيع الأغذية والمياه، وإرشاد فرق الإنقاذ وتوصيل الإمدادات إلى المناطق النائية. كما تعهدت هيئة المعونة الأميركية بتقديم مساعدات تزيد قيمتها على 22 مليون دولار. وسرعان ما تتابعت المساعدات من حلفاء الولايات المتحدة، فقدمت اليابان إغاثات طارئة بقيمة 30 مليون دولار، إلى جانب إرسال نحو ألف جندي للمساعدة في توصيل المساعدات. كما قرر بنك التنمية الآسيوي منح الفلبين 20 مليون دولار في شكل منح إغاثة، وتعهدت أستراليا بتقديم 10 ملايين دولار، بالإضافة إلى 5 ملايين دولار مقدمة من كوريا الجنوبية. كما تصل حاملة الطائرات البريطانية «إتش إم إس إيلاستريوس» إلى الفلبين في 24 نوفمبر لتوصيل مساعدات إغاثة قيمتها 30 مليون دولار. لكن الصين التي تعتبر القوة الصاعدة في المنطقة، جذبت الانتباه لموقفها حيال كارثة الفلبين. وفي البداية، تعهدت بكين بتقديم 100 ألف دولار، لتزيد بعد ذلك في 14 نوفمبر إلى 1?6 مليون دولار! ومنذ أعلنت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في أواخر 2011 عن إعادة التوازن إلى آسيا، شك كثيرون في قدرة أميركا على الحفاظ على مستوى علاقاتها في منطقة المحيط الهادئ. وفي أكتوبر، مثلاً، سمح غياب الرئيس أوباما عن حضور اجتماعين آسيويين هامين بسبب انشغاله بأزمة إغلاق الحكومة الفيدرالية، سمح لبكين بسرقة الأضواء. لكن عندما يتعلق الأمر بأزمات عالمية، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، فلا تزال الولايات المتحدة -حتى وهي مثقلة مالياً بالديون ومتأزمة سياسياً- هي من يلعب دوراً قيادياً. وقد تكون الاستجابة لإعصار «هايان» هي نقطة التحول بالنسبة للولايات المتحدة في آسيا: فرصة لسكب الماء البارد على ما يقال عن الصين المهيمنة. هذا لا يعني القول إن الصين لا تحاول القيام بدور أكثر تأكيداً في المنطقة. فمنذ تولي «شي جين بينج» الحكم في نوفمبر 2012، اهتم بالتركيز على الحفاظ على النظام والنمو الاقتصادي داخلياً، إلى جانب الحد من الصراعات الخارجية التي قد تعيق نمو الصين. فالرئيس الصيني وزملاؤه، يتصورون بلادهم وقد حلت محل الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، وتتقاسم -بحد أدنى- مسؤولية منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تركز الصين على محيطها، خاصة جنوب شرق آسيا. وفي شهر أكتوبر أعلن رئيسها خططاً لإنشاء وتمويل «البنك الآسيوي للبنية التحتية». لكن الصين ما زالت فاشلة في بناء «قوة ناعمة» في المنطقة. ففي مطلع شهر نوفمبر، أكد علماء ومسؤولون صينيون على المستويات المتناغمة للأصدقاء والشركاء الصينيين، وقالوا إن البلدان التي تدعم الصين دبلوماسياً أو تجلب الثروة للصين، تمُنح معاملة تفضيلية. وبسبب زيادة التوترات مع اليابان حول الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، ومع الفلبين حول جزر أخرى في بحر الصين الجنوبي، فإن الصين تحجب تعاونها ودعمها عن هاتين الدولتين. وهي بدلا من ذلك تمنح مكافآتها للدول التي ترغب في التعاون معها. ورغم أن هذا النهج يخرس أحياناً الانتقادات الإقليمية، فإنه فشل في إقناع الجيران بأن الصين الأكثر قوة سوف ترعى مصالحهم. تلك هي المنطقة التي تحاول الولايات المتحدة إعادة «الارتكاز» في آسيا من خلالها. وقد شاهدت المنطقة هذا الارتكاز عسكرياً، من خلال التركيز على تأكيد الوجود الأميركي في آسيا، وكثقل موازن للضغط والإكراه الصينيين. لكن مع استمرار تحول القوة العالمية من الغرب إلى الشرق، فبإمكان الولايات المتحدة أيضاً استخدام الارتكاز للمساعدة على بناء نظام شامل يستند على قواعد في آسيا، يتضمن نظاماً تجارياً مفتوحاً. لكن لتعزيز إمكانات الصين باعتبارها قوة إلى الأبد، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة للتكامل مع الصين في هذا النظام. ويعتبر تأسيس آلية مشتركة للاستجابة للكوارث الإنسانية من قبل الصين والولايات المتحدة مجالاً جيداً للبدء. فالإحجام عن تقديم المساعدة لدول مجاورة لأنها تدافع عن مصالحها الوطنية ضد دولة أكثر قوة تحتل منطقة متنازعاً عليها، يتعارض مع المعايير الدولية. وإذا كان بإمكان الولايات المتحدة حماية الحقوق العالمية مثل حرية البحار وتعزيز المزيد من التعاون الأمني الإقليمي الفعال، فسوف تواصل كونها قوة عظمى وموضع ترحيب في جميع أنحاء المنطقة. ويبدو أن الصين تتوق للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال الإغاثة خلال الكوارث. فقد تعاونتا في يونيو الماضي لتقديم مساعدات إنسانية في جميع أنحاء آسيا، وفي مجال ممارسة الطب العسكري... مما أتاح للصين عرض المستشفى العائم «السلام». وفي 12 نوفمبر، شاركت القوات الصينية والأميركية في تدريب أقيم في هاواي للمساعدات الإنسانية المشتركة والإغاثة في حالات الكوارث، في نفس الوقت الذي احتاجت فيه الفلبين إلى دعم عاجل. إن الصين، برئاسة بينج، في حاجة لـ«نوع جديد من العلاقة يناسب قوة عظمى» مع الولايات المتحدة. وهذه دعوة هدفها دفع الصين لمزيد من التعاون في مجال الإغاثة أثناء الكوارث. وسوف يؤتي هذا ثماراً للولايات المتحدة محلياً. إن الزعامة الأميركية في مجال الإغاثة حول العالم، هي رد قوي على الرافضين الذين ينكرون الدور الأميركي المستمر وغير العادي. ودعم الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، للجهود الأميركية الإنسانية، هو مثال على تعاون صناع السياسة لتحقيق العظمة. ------ باتريك كرونين مدير برنامج الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمركز الأمن الأميركي الجديد ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"