في نوفمبر 2011، عقب الإطاحة بنظام «طالبان» في أفغانستان، ربطت سيدة الولايات المتحدة الأولى آنذاك، لاورا بوش، التدخل الأميركي في أفغانستان بالمحنة التي تواجهها المرأة الأفغانية، وأوضحت «أن الحرب ضد الإرهاب هي حرب من أجل حقوق وكرامة النساء»، وبعد عشرة أعوام، في يوليو 2011، أكدت وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، هيلاري كلينتون، أن إمكانية السلام ستتم العدول عنها إذا تم تهميش أو إسكات المرأة والأقليات العرقية. ورغم ذلك يساور الأفغانيات القلق في الوقت الراهن بصورة متزايدة من أنه مع اقتراب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ستتم التضحية بهن في خضم الاختلاف الدولي والذرائع السياسية الأفغانية. غير أن المكاسب التي حققنها في غضون الأعوام الـ12 الماضية يمكن وينبغي الحفاظ عليها بمساعدة المجتمع الدولي. وقبل تدخل القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة في عام 2001، دمّر الصراع الداخلي الذي استمر ما يربو على عقدين من الزمان أفغانستان. وكانت المرأة الأفغانية الأكثر معاناة في ظل حكم «طالبان» الذي جردها من الحماية ومن الخدمات. ورغم ذلك ظلت صامدة، وخاطرت بحياتها من أجل تعليم الفتيات سراً، والدفاع عن حقوقهن في مخيمات اللاجئين التي كانت تحت سيطرة الجهاديين. ومنحت الإطاحة بـ«طالبان» فرصة للمرأة الأفغانية، كي تتبني حياة أفضل لنفسها ولحفيداتها. وساعدت الأفغانيات، من خلال الدعم الدولي وقبول وسطاء السلطة الأفغان، في صياغة دستور ديمقراطي منح حقوقاً متساوية للرجال والنساء، وقدم ضمانات قانونية للمشاركة السياسية والحصول على التعليم والرعاية الصحية. وتم تأسيس لجنة حقوق إنسان مستقلة في أفغانستان لمراقبة الانتهاكات ومنح الحماية لضحايا العنف، والتي كانت حاجة ملحة في دولة لا تزال فيها ثقافة الحصانة من العقاب قائمة. ومع تقليص الفصل على أساس الجنس، التحق ملايين الفتيات بالمدارس، وقللت الرعاية الصحية من معدلات الوفاة بين الأمهات، وإن كانت لا تزال مرتفعة جداً، كما تم تجنيد عدد كبير من الشرطيات. ورغم أن الأفغانيات لا زلن يفتقرن لصلاحية التعامل مع العنف على أساس الجنس بصورة فعالة، إلا أن إمكانياتهن عظيمة. وفي الوقت الراهن، أصبح هناك عدد غير مسبوق من النساء في المجلس التشريعي الأفغاني، وتعمل الأفغانيات الآن مسؤولات في الحكومة ومعلمات وطبيبات ومحاميات وصحفيات وسيدات أعمال وناشطات في المجتمع المدني. ومن خلال دفاع النساء عن حقوقهن، استطعن دفع الحكومة لوضع تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً ضمن الأولويات -وإن كان شكلياً- من خلال برامج مثل استراتيجية التنمية الوطنية الأفغانية، وهي خريطة طريق لإعادة الإعمار والتنمية في غضون خمسة أعوام. وأصبح للأفغانيات حقوق تصويت متساوية، ولديهن حماية قانونية من الزواج المبكر والقسري، وضد العنف الجسدي أو اللفظي. وجرّم قانون إنهاء العنف ضد النساء، الذي تم تمريره في عام 2009، بموجب قرار رئاسي، الاغتصاب للمرة الأولى في التاريخ الأفغاني! ويمكن أن يجد ضحايا العنف من النساء الآن ملجأ ومأوى ومنازل آمنة. وبالطبع، لابد من بذل مزيد من الجهود، فجودة التعليم والخدمات الصحية لا تزال رديئة، وهناك عدد ضئيل جداً من النساء في المناصب الحكومية الرفيعة، وغالباً ما تعمل البرلمانيات، وخصوصاً المدافعات عن حقوق المرأة، في عزلة. وعلاوة على ذلك، فإن النساء في المناطق الريفية لا يحصلن سوى على قدر ضئيل جداً من الخدمات الأساسية مقارنة بنظيراتهن في المناطق الحضرية. ولا تزال المحاكمات بموجب قانون إلغاء العنف ضد المرأة قليلة جداً والإدانات أقل، كما أن كثيراً من النساء لا يجدن سبيلاً إلى النظام القضائي الرسمي ويبقين تحت رحمة المجالس المحلية التي يهيمن عليها الرجال. وسيعتمد التخلص من هذه العيوب والنواقص وتعزيز التقدم، على جهود الأفغانيات والتزامهن، وعلى الدعم الدولي المتواصل. وفي ضوء التحديات الجسام التي تواجههن، على المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين استثمرا بشكل كبير في أفغانستان، أن يلتزما بدعم تقدم الأفغانيات. وتتزايد التهديدات بالفعل ضد حقوق المرأة، إذ يصف المسلحون تمكين المرأة بأنه وارد غربي. غير أن هذه الرؤية لم تعد قاصرة على المتمردين، فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية في إبريل المقبل وقرب انسحاب القوات الأجنبية، ربما يحاول الساعون إلى السلطة داخل وخارج الحكومة والبرلمان، القضاءَ على حقوق المرأة لتعزيز قواعدهم الانتخابية وإظهار استقلالهم عن الغرب أو تهدئة المتمردين. وبدأت بالفعل هجمات على القوانين المناصرة لحقوق المرأة، ومنها قانون إلغاء العنف ضد النساء، ومن ثم فالأفغانيات العاملات هن الأكثر عرضة للخطر، وتعتبر أي فتاة أو امرأة ترغب في العمل أو الذهاب إلى المدرسة هدفاً محتملا للمتمردين. وإذا تخلى المجتمع الدولي عن المرأة الأفغانية، فإنها ستصبح أكثر عرضة للتهديدات والهجمات، ليس فقط من قبل المتمردين وإنما أيضاً من قبل الميليشيات وأمراء الحرب الموالين للحكومة. ولا ينبغي للولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي عقد اتفاق سلام مع «طالبان» على حساب حقوق المرأة. ويجب أن يكون الاعتراف بحقوق متساوية لكلا الجنسين، يضمنها الدستور والالتزام بالقوانين التي تحمي وتمكن المرأة، شرطين مسبقين للمفاوضات، وليس مجرد بندين على قائمة النتائج المرجوة. وعلى صناع السياسة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يدركوا أن تكلفة الخلافات الدولية قد تعيد الأفغانيات إلى الماضي الأليم، لذا لابد من تأييد دولي قوي لمشاركة النساء في الانتخابات من أجل تمثيل أكبر لهن في الحكومة والمنظمات المدافعة عن حقوقهن. ------- سامينا أحمد مدير مشروع جنوب آسيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»