كل إنسان يحاول التوصل إلى رأي نهائي حول ما إذا كانت الصفقة النووية مع إيران تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة أم لا، أنصحه بمطالعة كتاب "دافيد كريست" العامر بالمواد البحثية والنصوص المتقنة سهلة القراءة، التي تدور حول الصراع الخفي الدائر بين واشنطن وطهران. صدر الكتاب تحت عنوان: (شفق الحرب: التاريخ السري لصراع السنوات الإحدى والثلاثين بين أميركا وإيران). والشيء الذي يجعل كتاب ?"?كريست?"? مدهشاً هو التفاصيل التي تمكن من جمعها حول الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وإيران (وكانت ساخنة أحياناً) والتي أججها الطرفان منذ عقد الثمانيات. وهو يعرض لأخبار الحرس الثوري الإيراني الذي شغل قوات الولايات المتحدة وحلفائها من لبنان حتى الخليج العربي وغزة وسوريا وخاصة العراق وأفغانستان. والشيء المثير للمزيد من المتعة في تفاصيل كتاب “كريست” هو التعرض لأسباب فشل المقترحات السياسية للتفاهم بين الولايات المتحدة وإيران. ولقد دأبت كل الإدارات السياسية الأميركية?,? بما فيها إدارة أوباما على تقديم أغصان الزيتون لطهران، إلا أنها كانت تفشل في هذا المسعى في كل مرة ومنذ زمن بعيد. والعروض التي كانت تقدمها طهران بين الفينة والأخرى لترميم العلاقة بين البلدين إما أن تكون مرفوضة من طرف واشنطن، أو يتم سحبها من طرف طهران قبل الوصول بها إلى الاتفاق المنشود. وكان الشيء الأكثر مدعاة للحيرة، هو ما حدث عام 2003 عندما أعلنت طهران عن أنها ستكون منفتحة على عقد أي صفقة عقب نهاية الحرب العراقية، إلا أن هذا الاقتراح تم سحبه من التداول بعد أن صنف بوش الإبن إيران على أنها إحدى أعضاء "محور الشرّ". وتنتهي فصول الكتاب قبل وصول حسن روحاني، فيما يبدو ?"?كريست?"? متشائماً عندما يتعلق الأمر بالتوقعات بحدوث تقارب بين الطرفين اللدودين. ولكن، إذا ما عمد المرء إلى مطالعة كتاب ?"?كريست?"? بطريقة متأنية، فسوف يأخذ فكرة عن الطريقة التي يمكن اعتمادها لعقد الصفقة النووية. والكتاب الثاني الذي أنصح بقراءته نشر مؤخراً تحت عنوان "أنا ملالا"، وهو عبارة عن مذكرات ممتعة للفتاة الباكستانية التي بلغت الآن عامها السادس عشر، والتي تلّقت طلقة في رأسها من أحد رجال جماعة ?"?طالبان?"? لأنها قادت حملة تدعو الفتيات إلى تلقي التعليم وانتقدت بشكل علني تورط الجماعة بتحريف تعاليم الإسلام. والشيء الذي يسبغ عنصر الأهمية على هذا الكتاب لا يتعلق فقط بتمسك ملالا بالقيم العالمية، والتي كان من المفترض أن تفوز عنها بجائزة نوبل للسلام، بل لارتباط قصتها بأهم الأسئلة الأمنية الشائكة: كيف يمكننا أن نمنع الإسلاميين الميالين للعنف من الاستيلاء على دولة باكستان النووية والتحكم في قرارها السياسي؟ ومنذ تم نشر كتاب ?"?ملالا?"?، تم اختيار المحارب الإرهابي الذي أمر بقتلها رئيساً لجماعة “طالبان” باكستان. وبالرغم من أن هذه الجماعة تعادي الديموقراطية الباكستانية، وتسعى لتأسيس دولة إسلامية متشددة، فإن شرائح النُخب الباكستانية تعتقد (بالرغم من جولات الفشل السابقة) بأن في وسعها التفاوض مع هؤلاء المتعصبين. وها هي ملالا تدعو الباكستانيين لتحدي رفض ?"?طالبان?"? لحقوق المرأة والأقليات الدينية إلا أن صرختها هذه لم تصل إلا إلى الآذان المصابة بالطرش. ولم يعد في وسع هذه الفتاة الجريئة أن تعود إلى وطنها من إنجلترا (وحيث ما زالت في مرحلة التعافي من إصابتها الخطيرة)، لأن ?"?طالبان?"? مصممة على قتلها والاقتصاص منها. ولقد تم حظر توزيع كتابها في المدارس الخاصة التابعة لولايتين باكستانيين تضمان عشرات ألوف الطلاب باعتباره مضاداً للتعاليم الإسلامية ومحابٍ للغرب. وهذه هي طريقتهم في تفسير دعوة الكتاب إلى حرية التعبير والتديّن. ولا شك أن ملالا تخاطب من خلال كتابها أولئك الباكستانيين الشجعان الذين يعارضون التطرف، وكل الفتيات اللائي سيعانين لو أن رجال الميليشيات انتصرت في هذه الحرب. ولو كنت تريد أن تطلع على فكرة واضحة حول السبب الذي يجعل النخبة الباكستانية ميالة إلى اعتناق الأطروحات المضادة لما يسمى التآمر الأميركي، فما عليك إلا أن تقرأ كتاب حسين حقاني الذي صدر تحت عنوان: (الخدع الكبرى: باكستان والولايات المتحدة والتاريخ الطويل من سوء التفاهم). وحقاني شغل منصب سفير باكستان في الولايات المتحدة، وهو خبير متخصص في تحليل علاقة الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات بالميليشيات الدينية. وهذا الكتاب الذي صيغ بلغة عذبة متقنة، يعرض للتفاصيل الكاملة والطويلة للعلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، هذه الدولة التي ندفع الأموال لجيشها حتى يساعدنا في حربنا ضد الإرهاب بالرغم من أنها وفرت الملاذ الآمن لجماعة طالبان الأفغانية وأسامة بن لادن في الوقت الذي عمدت فيه إلى تدريب بعض الإرهابيين الباكستانيين على شنّ هجمات ضد الهند. فحتى "الحليف" يتصرف بنية غير سليمة. وهذا النقد الذي يوجهه حقاني للعلاقة المتوترة بين باكستان والولايات المتحدة جعله شخصاً غير مرغوب فيه في وطنه. ويمثل كتابه هذا دعوة صادقة لتأسيس علاقة تعاون أكثر صدقاً بين البلدين وبما ينقذ باكستان من التحول إلى دولة فاشلة. وأخيراً، وبما أننا على مشارف الانسحاب من أفغانستان عام 2014، لا يمكنني أن أتجاهل مذكرات أخرى مكتوبة بأسلوب جميل من طرف رجل أعمال أفغاني شاب يدعى قيس أكبر عمر تحت عنوان: (الحصن ذو الأبراج السبعة: قصة عائلة أفغانية). والكتاب جدير بأن يُقرأ من طرف أي إنسان يحاول أن يفهم أسلوب عيش الأفغان المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وكم عانوا تحت حكم السوفييت وكم يعانون الآن من اعتداءات جماعة طالبان، وما الذي سيخيفهم عندما ينسحب الأميركيون. لا تنظر حتى الانشغال بأعياد الميلاد. فهذه الكتب تستحق القراءة الآن وليس غداً. ترودي روبن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ?"?إم.سي.تي. إنترناشونال?"?