يناقش البعض قضية التوطين على استحياء، مع أنها جزء رصين من الخطة الاستراتيجية للدولة في تمكين المواطن من مقدرات المجتمع والمساهمة في تراكم مكتسباته. وتوفير الوظيفة المناسبة للمواطن الباحث عن عمل ليس عملية ملء شاغر فحسب، ولا استكمال عدد ولا كذلك إحلال المواطن محل الوافد، مع أن الإحلال قد يكون جزءاً أو مرحلة من مراحل التوطين في المجتمع. فالغاية من التوطين هي إدماج المواطن في عملية التنمية المستدامة على المدى البعيد، ومن هنا يأخذ التوطين بعداً استراتيجياً لا يتوقف ولا يتقيد بانتهاء تواريخ الخطط التنفيذية، بل تقف عند مدى الإنجاز في هذا الإطار الحيوي. وبلغة الأرقام فإن الشواهد أو البيانات التي تنشر كلها لمصلحة التوطين لا نقول الفوري بل المدروس سواء في قطاع الحكومة أو الخاص الذي يحتوي على شواغر لا تقل عن المليون وظيفة بالإجمال. ولو أخذنا ما كشف عنه مؤخراً مدير الموارد البشرية في مجلس أبوظبي للتوطين مثالاً للقياس عليه، فإنه أوضح بأن هناك «64 ألفاً و927 وظيفة حالية تشكل ما نسبته 9,5 في المئة من مجموع الوظائف في الإمارة، البالغ عددها 678 ألفاً، يسهل توطينها، نظراً إلى أن مستوى التأهيل العلمي، والراتب الشهري لشاغليها، يتناسبان مع مؤهلات المواطنين الباحثين عن عمل والمسجلين لدى المجلس». وهذا العدد في حد ذاته على مستوى إمارة أبوظبي ذو دلالة هامة، لأن العدد الإجمالي للباحثين عن عمل على مستوى الدولة يقترب من 40 ألف باحث عن عمل، فإذا كانت أبوظبي وحدها تتوافر على أكثر من 64 ألف وظيفة سهلة التوطين فكيف الحال لو أضفنا عليها الإمارات الأخرى التي لا تخلو من وظائف في ذات الاتجاه. علماً بأن إجمالي عدد الباحثين عن عمل المسجلين لدى مجلس أبوظبي للتوطين، قد ارتفع في العام 2011 إلى 20 ألف مواطن، أي بمعنى أن عدد الوظائف المتاحة في الإمارة يمثل ثلاثة أضعاف الباحثين عن عمل في إمارة واحدة فقط. أما على مستوى القيادة الرشيدة فإن الأمر الذي أصدره الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتوظيف 6 آلاف مواطن على الفور واضح مغزاه ومبناه وقد تم تنفيذ ذلك الأمر في غضون فترة قياسية في دلالة بأن القيادة تدفع باستراتيجية التوطين لأخذ موقعها في المجتمع مع بقية الاستراتيجيات الأخرى للدولة ككل. وكشفت دراسة واقع التوطين في إمارة أبوظبي عن بعد آخر ومستقبلي ولمصلحة التوطين كاستراتيجية ناجحة في توفير فرص وظيفية في سبعة قطاعات مهنية فقط من المتوقع أن تستوعب نحو 300 ألف وظيفة، وبإمكانها استيعاب جميع المواطنين الذين سيدخلون خلال السنوات الـ10 المقبلة، هي: الطاقة والنفط والصناعة والعقارات والرعاية الصحية والخدمات المالية والإعلام والتكنولوجيا والاتصالات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار بأن العدد المتوقع للباحثين عن عمل خلال السنوات العشر القادمة سيصل إلى قرابة 150 ألف مواطن وهو ما يمثل مخرجات التعليم بالدولة، ففي كل الأوضاع فإن فرص التوظيف تعد ضعف العدد الإجمالي للمواطنين الباحثين عن عمل. إذا كانت الأرقام لمصلحة التوطين في كل الدراسات التي قدمت في المؤتمرات المتخصصة والندوات الخاصة بالتوطين، ليس فقط على مستوى إمارة أبوظبي بل حتى على مستوى الدولة، فالنتائج واحدة، فأين مكمن المشكلة في إنزال هذه الأرقام المتاحة من الوظائف على واقع عدد الباحثين عن عمل بالدولة؟! في تصورنا أن دراسة معوقات التوطين على مستوى الميدان في القطاع الخاص هي التي بحاجة إلى دراسات مفصلة، فكلما تمت معالجتها على النحو الصحيح، فإن التوطين سيأخذ محله ومكانته اللائقة في أي قطاع كان.