أمام حالة التوافد «المفاجئ» لوزراء خارجية الدول الأوروبية، ومعهم روسيا، إلى العاصمة السويسرية جنيف من أجل الانضمام إلى الوفد المفاوض لإيران (5+1) يوم السبت الماضي، تكون الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، أمام أمر غير مطمئن لها. فمنذ فترة تلوح في الأفق السياسي الإيراني الأميركي مؤشرات تجعلنا نفتح الباب لكل الاحتمالات غير الموضوعية بالنسبة إلينا في الخليج العربي. مثل إعادة تشكيل منطقة «الشرق الأوسط الجديد» ليكون طرفاها الإقليميان هما إيران وإسرائيل. قد يبدو الطرح الآن غير منطقي، لكن مع السياسة فإن كل شيء يمكن أن يحدث. قد تحتاج ثمار الصفقة إلى فترة، لكنها تبدو قادمة. من تعامُلنا مع السياسة الإيرانية تعلّمنا أن الإيرانيين غير مستعدين لتقديم تنازلات سياسية أو دفع شيء دون الحصول على مقابل مجزٍ. وتعلّمنا أيضاً أن الإيرانيين في مفاوضاتهم مع الإدارة الأميركية يخرجون بمكاسب كبيرة على حساب دول المنطقة، تعطينا انطباعاً بعدم إدراك الأميركيين للسياسة الإيرانية. وقد حدث ذلك في أفغانستان، وحدث أيضاً في العراق. سوريا هي محور التفاوض حالياً، وإيران تدرك عجز الإدارة الأميركية عن اتخاذ قرار بشأن إنهاء أزمة النظام السوري وتحاول إقناع الإدارة الأميركية المترددة بأن حل هذه الأزمة وغيرها من الأزمات في المنطقة يمر من خلالها، وبالتالي فإن التفاهم معها سينهي أزمات المنطقة، مع أننا لو استعرضنا التاريخ السياسي لإيران لوجدناها دولة «تستعذب» خلق الأزمات وترك الملفات مفتوحة لتخدم أهدافها، ولبنان خير مثال. تمتلك إيران نفساً طويلاً في التعامل مع الأزمات، وتتركها دون حل لحين ينهك الطرف الآخر. وقد تقبل التنازل عن نظام الأسد لأنه سيكون عاجزاً عن إدارة الدولة السورية، لكن ذلك لن يكون إلا بشروط إيرانية، ولن تخرج تلك الشروط عن إصرار طهران على الاعتراف لها بحقها في مواصلة عملية تخصيب اليورانيوم. وفي حالة قبول التنازل عن خيار التخصيب، أعتقد أنها لن ترضى في مقابل ذلك بغير أن تكون مرجعية أساسية في المنطقة. يبرر الأميركيون مرونتهم من منطلق أنها فرصة للسياسة الإيرانية الجديدة التي يديرها روحاني ووزير خارجيته ظريف. وروحاني يقدِّم، حتى الآن، «مغريات» للسياسة الغربية، آخرها مسألة إعادة التفكير في لبس المرأة الإيرانية للحجاب، وهذه نقطة مهمة لدى العقلية الغربية في مسألة مرونة أي نظام شرق أوسطي، حيث يقاس تطور المجتمعات الشرقية من خلال طريقة إعطاء المرأة حقوقها المدنية. ويعتقد كثيرون أن مهارات روحاني وخبراته الأمنية تساعده على أن يقدم رسالة للغرب بأنه يستطيع التأثير على الحرس الثوري الإيراني، الجهة المتحفظة على الانفتاح على الغرب. والموقف من حجاب المرأة الإيرانية أعطى مساحة لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جوزيف بلاتر، لمطالبة الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالسماح للمرأة الإيرانية بدخول مدرجات كرة القدم دون أن تختبئ في ثوب الرجل لأن ذلك حقها. ومع ذلك لم نقرأ أي رد فعل إيراني حتى الآن. هناك من يعتقد أن امتلاك إيران السلاح النووي لا يعني أنها سوف تستخدمه ضد أحد في المنطقة، باعتبار أن الضرر لن يقتصر على «عدو» إيران وإنما سيشملها أيضاً، وبالتالي فالتخوف من نووي إيران لا ينبغي أن يكون كبيراً. والنقطة التي ربما تغيب عن ذهن من يطرح هذا الرأي أن المشكلة ليست في امتلاك السلاح النووي، ولكن في عقلية من يدير هذا السلاح، ومن هنا تنبع مخاوف الخليجيين والعرب. فإيران دولة تقوم على «خلق» المشكلات للآخرين من أجل استمرار النظام الثوري فيها. وبنظرة سريعة إلى الواقع السياسي، سنجد إيران تفعل ذلك في الكثير من الدول العربية، بل إن تاريخها في العنف يكاد يمس دولاً يُفترض أنه لا علاقة لها بإيران، مثل الأرجنتين ونيجيريا، حيث يوجد لإيران أتباع يتمثلون في «حزب الله» النيجيري. المثالية في التعامل مع إيران أقرب إلى أن تكون «غباءً سياسياً»؛ لأن تجربة دول الخليج مع نظام صدام حسين أكدت أن الأنظمة التي تقوم على أيديولوجيات عنيفة لا تفكر كثيراً في القرارات التي تدمرها بقدر تفكيرها في البقاء فقط، وهي مستعدة لأن تتعاون مع أي طرف ولا حرج من تحويل «الشيطان الأكبر» ليكون الشريك الأكبر بشرط بقائها في السلطة. إيران بثت مؤخراً مقطعاً من فيلم خيالي لضرب إسرائيل في حالة الهجوم عليها، لكن من يضمن أن يقتصر الأمر على إسرائيل فقط إن أحسنا النية؟ الأسلوب الوحيد الذي تفهمه السياسة الإيرانية، وهذا من وحي التجربة، هو الضغط عليها، فالعقوبات الاقتصادية هي التي أجبرت إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولإيران طريقتها الخاصة في إشغال العالم بملفات معينة كي تفاجئه بملفات أخرى. اليوم، وحسب المؤشرات على الأرض، فإن الترجيحات حول مفاوضات جنيف تشير إلى أن المحصلة ستكون لصالح إيران. وفي نظري فإن تلك مبررات كافية لأن يعمل العرب على تقوية دولة عربية إقليمية مثل مصر كي لا تسقط، باعتبار أنه لم تعد هناك دول عربية قائدة في الإقليم. الإدارة الأميركية لا ترى اليوم في إيران إلا ما يطرحه روحاني، وتتناسى متعمدةً مسائل أخرى مثل تفجير مقر قوات المارينز في بيروت، وكذلك محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن قبل سنتين، ولا تتذكر أن إيران هي سبب الفوضى في العراق. قد تكون بعض دول الخليج العربي لم تتعرض لمواقف سلبية إيرانية بشكل مباشر، لكنا جميعاً نمتلك القدرة على استيعاب طريقة تفكيرها. يبدو لي أنه من الأفضل للدول العربية عدم الاستناد كثيراً إلى السياسة الأميركية، خاصة في هذه المرحلة، والعمل معاً كي تحافظ على مصالحها في الإقليم. ومن المؤكد أن أي صفقة تتم بين الجانبين ستكون على حساب الدول العربية، وعلى حساب دول الخليج بالدرجة الأولى.