تنعقد القمة العربية الأفريقية للمرة الثالثة في الكويت بين 19-20 نوفمبر 2013، وذلك بعد انعقادها التأسيسي في القاهرة 1977، والثاني في سيرت (ليبيا) 2010. وبقدر دلالة وأهمية انعقاد القمة في الكويت، لابد أن البعض سيلاحظون أنها المرة الثالثة في بلد عربي، رغم أن مصر وليبيا بالطبع محسوبتان على الدائرتين. وفي هذه الدورة أيضاً تنجح الكويت، والأمانتان في تأكيد حضور المغرب، المنسحبة أصلاً من الاتحاد الأفريقي بسبب قضية الصحراء، كما تحضر مصر، رغم تعليق الاتحاد الأفريقي لعضويتها بسبب ما أسموه "التغيير غير الدستوري"، للسلطة المنتخبة في مصر، ولحين إعادة الحياة الديمقراطية وفق الخريطة الجديدة فيها! الكثيرون يراهنون على الموجة التي نجحت الكويت وآخرون في ترويجها عن الطابع الاقتصادي لدورة القمة العربية الأفريقية القادمة، وأن انعقاد هذه القمة في الخليج، وفي الكويت خاصة، سوف يعطي لهذه "الاقتصادوية"طعمها. وقد برزت الإشارات لذلك في طبيعة جدول أعمال اللجنة التحضيرية، والمجلس الوزاري، والقمة نفسها. حيث تبرز التقارير المقدمة باسم لجنة الشراكة، وعن "آلية التمويل العربية الأفريقية للمشاريع والأنشطة المشتركة، بل ويخصص جدول الأعمال الوزاري مناقشات "المشروعات المشتركة"، قبل مناقشة "آلية التمويل"، في إشارة إلى النية الحسنة لتمضي المشروعات بجدية كافية. بالمثل تبدي الاجتماعات الوزارية، ومن ثم القمة، اهتماماً ظاهراً بالتنمية في المجال الزراعي، والأمن الغذائي، ويحتل التقرير عن اجتماعات مؤتمر وزراء الزراعة الذي عقد بالسعودية مؤخرا (2013)، موقعاً مهماً عقب تقرير أمناء الجامعة والاتحاد، ويأتي مع مجال الزراعة في مشروع القرارات الختامية، تقارير وزراء الكهرباء عن "التنسيق في مجال الطاقة". ويشعر المرء بقراءة مشروعات التقارير بل والقرارات، بل وأولوياتها بالنسبة لبعضها بعضاً، أن القمة الأفريقية العربية مقبلة على مرحلة جديدة وفعالة نسبياً، إزاء شعور مسبق في نص تقرير الأمينين للرؤساء: على "أنه في ضوء التحديات السابقة، فإن تنفيذ الاستراتيجية والخطة ( التي قررت منذ اجتماع سيرت2010) لم تأت بالنتائج المنتظرة منها"، وهذا إقرار مزعج عن تدهور العمل العربي الأفريقي، بقدر ماهو مثير للحوافز من أجل مرحلة جديدة مختلفة! لعل الكويت التي سترأس دورة القمة القادمة لثلاث سنوات أن تستشعر أهمية المرحلة الجديدة، سواء من الناحية الاقتصادية التي يتطلع إليها المراقبون بشكل مباشر، أو من الناحية السياسية الحافلة بالألغام بطبيعتها. فمع الاعتراف "بالتغيرات الكبيرة في عدد من بلدان المنطقتين، بما فيها ثورات شعبية اجتاحت أجزاء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فإن آثارها المتبقية" تمثل - في رأى المتحدث- " تحديات كبرى للجانبين" الخ هكذا بدون تعليق! لكن التقرير عن أعمال مجلس السلم والأمن في الأمانتين عندما يأتي لإنجازاتهما في اجتماعات بينهما بين ديسمبر 2010 وسبتمبر 2012 يشير بأكبر قدر من الحذر إلى "القضايا محل الاهتمام المشترك وبحث الوسائل الكفيلة بمعالجتها"، وعندما يشير إلى المشاكل الأفريقية يذكر -بحيادية- "المناقشات العميقة حول الأوضاع في السودان والصومال وجزر القمر ومالي، وأيضاً حول آخر التطورات في النزاع العربي الإسرائيلي ، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول النزاع بين جيبوتي وأريتريا في ضوء القرارات ذات الصلة". وهكذا سيجد الرؤساء أنفسهم عند الاجتماع في إطار ضيق للمشاكل العربية الأفريقية، أو هكذا يشاء الجهاز التنفيذي أن يُبعد عن الرؤساء شر الاختلاف المبكر! ونحن لا نريد أن يصل الرؤساء الأفارقة والعرب إلى حد الاختلاف الجذري الذي يعطل العمل العربي الأفريقي، ولكنا لانستطيع أيضاً أن نتجاهل طريقة "تجاهل" البعض للقضايا المهمة. فلا يعقل أن يأتي رؤساء إثيوبيا وكينيا وأوغندا وبوروندي مثلاً دون النظر لوجودهم العسكري في الصومال بهذا الشكل دون تعليق يخص مصير الشعب الصومالي واستقراره ومصالحه! وبالمثل الموقف في مالي الذي يترك للتدخل الفرنسي، عبر "وسائل مساعدة" هي جيوش دول غربي أفريقيا، بل وجر تنظيم وسط أفريقيا أيضاً عبر تشاد إلى تنظيم "الإيكواس" بقيادة نيجيريا، ثم لا يكون ذلك موضع إشارة عن أسباب عدم الاستقرار، بينما يتلمظ مجموعهم عن عدم استقرار مصر الدولة الكبرى في المجموعتين! أعتقد أنه هنا تبرز أهمية التوجهات السياسية أكثر من القرارات، ثمة اتفاق ضروري حول معنى السلام والأمن بالمساعدة الذاتية على الاستقرار، وليس بالضرورة بالاستعانة "بصديق" على طريقة ما يجري في الصومال أو مالي، أو حوض الكونغو ومنطقة البحيرات الكبرى! ويدخل في التوجهات السياسية الجديدة، التوصية بوقف صراعات لا معنى لها مثل صراعات جنوب أفريقيا مع الآخرين –ومنهم مصر- من أجل غرض بعيد المدى مثل مقعد مجلس الأمن، بينما تطور العلاقات الدولية، والاستقطابات الجديدة على المستوى العالمي، لن تسمح كثيراً بقفز الدول الصغيرة على الساحة! ويجدر بالمجتمعين أن يهتموا بالأدوار الإقليمية، في المنظمات الإقليمية المهيأة لأداء دور أفضل خاصة في المجال الاقتصادي الذي تسعى لدعمه القمة العربية الأفريقية القادمة. إن ثمة آمالاً كثيرة على تجنب مشكلات سابقة منذ السبعينيات حول طبيعة التمويل العربي واتجاهاته، وحول قيام المؤسسات العربية منفردة - وليست المشتركة كما تنص القرارات الجديدة- بحيث يشمل ذلك المصارف، ومنظمات المعونة الفنية...الخ إن وضع بعض المؤسسات الاقتصادية في إطار مشترك – هو الذي يتيح للاقتصادات العربية أن تجد تيسيرات مناسبة للمشاركة في المشروعات الكبيرة أيضاً...وحيث تهتم القمة بتقارير الزراعة والغذاء والطاقة ، فأظن ذلك هو الإطار الذي يجعلها تصدر قراراً بمراعاة المصالح والمشروعات المشتركة في مجال المياه والطاقة المقترحة في القارة، و المؤهلة لاستقبال المال العربي، والخليجي منه بوجه خاص. كما نأمل أن يتقدم موقع العمل الثقافي والحضاري في إطار مؤسسات القمة الجديدة، لأن التقارير باتت مؤسفة عن تعطل دور"المعهد الأفريقي العربي للثقافة والدراسات الاستراتيجية"، بما يلمح لعدم صلاحيته بوضعه الراهن، أو تعطل إجراءات المهرجان السينمائي العربي الأفريقي، لمدة عامين وأكثر مما يلمح لافتقاد رؤى جديدة وجذرية في الشأن الثقافي لتغيير مسار التعاون العربي الأفريقي المتوقف. المطلوب رسالة عربية قوية من الكويت عن مصير التعاون العربي الأفريقي.