قررت الكتابة عن هذا الموضوع الاستراتيجي بعد أن عقد قادة القوات البحرية في دول مجلس التعاون الخليجي مع مسؤولين من عدة دول خارج منطقة الخليج اجتماعاً في أبوظبي الأسبوع الماضي، وبعد مشاركتي على هامش ذلك الاجتماع في برنامج «المساء» على قناة «سكاي نيوز عربية» من أبوظبي وكان عن «الملاحة في مياه الخليج» والبدائل المطروحة، أو التي يمكن أن تعتمد عليها دول مجلس التعاون لتحييد ورقة مضيق هرمز من يد إيران التي ما فتئت تلوح بها بين الحين والآخر، وخاصة عند أي تصعيد ومواجهة بين إيران والمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل. وما يُكسب منطقة الخليج العربي أهمية استراتيجية كبيرة هو احتواء دولها على أكبر مخزون نفطي في العالم يصل إلى ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي المصرح به، و30 في المئة من الإنتاج اليومي من النفط العالمي، وثلثي إنتاج «أوبك» اليومي من النفط في هذه المنطقة الاستراتيجية بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي بأسره. والأهم أن 40 في المئة من النفط المحمول والمنقول بحراً يعبر من مضيق هرمز بمعدل 17 مليون برميل يومياً في حوالي عشرين ناقلة نفط عملاقة. وحتى إذا نجحت جولات المفاوضات في جنيف بين الدول الخمس الكبرى وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى في تحقيق اختراق حول برنامج إيران النووي، إلا أن إسرائيل تشكك وترفض مسبقاً أية اتفاقية حول برنامج طهران النووي، ما يعني أن شبح عملية عسكرية وما قد يترتب عليها من توتر في منطقة الخليج لا يزال قائماً حتى لو تم التوصل لاتفاقية إطار في جنيف حول برنامج إيران النووي. وقد يعني هذا أيضاً أن إيران ستعمد للتصعيد والتهديد بإغلاق مضيق هرمز مجدداً كعادتها وسط كل تصعيد وأزمة وسيناريوهات عمل عسكري ضدها، غير عابئة بالمخاطر والتداعيات التي تصاحب هذه التهديدات غير المسؤولة على جيرانها وعليها هي قبل ذلك، وكذلك على المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي كله، الذي يعتمد على النفط الخليجي بالدرجة الأولى، وكذلك على أمننا واستقرارنا وتأمين احتياجاتنا نحن أيضاً، وخاصة أننا في دول المنطقة نستورد كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، و80 في المئة من التجارة العالمية تتم عن طريق ناقلات النفط وسفن الشحن العملاقة التي تنقل معظم التبادل التجاري بين الدول بالإضافة إلى عبور حوالي عشرين ناقلة نفط ومعها حوالي تسعين سفينة شحن من مضيق هرمز. ولذلك لا يمكن لأي دولة أن تعيق حرية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ما كفله القانون الدولي وقانون أعالي البحار، حيث لا يحق للدول المشاطئة له وخاصة إيران وكذلك عمان والإمارات أو أي دولة أخرى، التهديد بمنع أو تعطيل الملاحة فيه أو إعاقتها أو إغلاقه، لأن ذلك بمثابة إعلان حرب على مصالح الجميع. ويجعل تلك الدولة في حالة حرب وعداء مع العالم بأسره. وقد سعت دول الخليج، ولكن بشكل فردي وليس جماعياً، لإيجاد بدائل عن مضيق هرمز، وقد يكون الأفضل أن نقول خيارات أخرى غير مضيق هرمز. وهنا يجب أن نشير إلى نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة التي قامت باستثمار ذكي بإيجاد بديل ناجح عن مضيق هرمز، وذلك بسبب جغرافية دولة الإمارات، حيث نجحت في استثمار خط نفط «حبشان» بمد أنبوب نفط بتكلفة أكثر من 15 مليار درهم، وبعد 4 أعوام من العمل الشاق مد خط النفط على مسافة 400 كلم من أبوظبي إلى إمارة الفجيرة على خليج عمان متجاوزاً مضيق هرمز -بقدرة استيعاب قصوى تصل إلى 1,8 مليون برميل نفط يومياً أو حوالي 70 في المئة من إنتاج الإمارات النفطي. ما يجعله منفذاً استراتيجياً وحيوياً لدولة الإمارات التي تعد الدولة الأقل اعتماداً على مضيق هرمز لشحن نفطها. وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية فلديها خط أنابيب المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، وخط بترولين الذي أقامه صدام حسين من العراق إلى البحر الأحمر عبر السعودية. وكذلك العراق لديه خط جيهان من كركوك إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط. وهناك خط «التابلاين» القديم من العراق إلى ميناء طرابلس في شمال لبنان على المتوسط. وحتى السعودية تفكر في مد أنبوب نفط إلى ميناء المكلا في خليج عدن في جنوب اليمن. وهذا يترك الكويت وقطر إلى حد كبير في وضع صعب. ولا تملك كل من الكويت وقطر أي خيارات باستثناء مضيق هرمز. وتنقل الكويت مليوني برميل نفط يومياً هي معظم إنتاجها عبر مضيق هرمز، وكانت قد ألغت فكرة أنبوب نفط عن طريق السعودية وآخر عن طريق العراق بسبب الصعوبات والتكلفة العالية. وكذلك لا تملك قطر خيارات سوى الاعتماد على مضيق هرمز الذي هو الشريان الحيوي بالنسبة لها لمرور ناقلات الغاز المسال والنفط عبره. ولكن تبقى هذه الخيارات والبدائل لدول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عمان وكذلك إلى حد كبير دولة الإمارات العربية المتحدة، خيارات فردية وغير استراتيجية أو جماعية. ما يحتم على دول المجلس التي تعتمد على صادرات طاقة الهيدروكربون (النفط والغاز) التفكير خارج الإطار التقليدي والفردي في إيجاد بديل ناجح وفعال لمضيق هرمز. والتعامل مع هذا التحدي بشكل جماعي واستراتيجي. وهذا الوضع أشبه بمن يشتري بوليصة تأمين لحماية نفسه من الأضرار المترتبة على حادث أو كارثة أو أزمة ما، ولكن يأمل ألا يضطر إلى استخدامها لتكلفتها وتداعياتها. وهناك حاجة ملحة لدول تعتمد بشكل رئيسي في مصدر دخلها على مصادر الطاقة من نفط وغاز أن تفكر ببعد استراتيجي وبعيد المدى لتحييد ورقة مضيق هرمز التي لطالما لوحت بها إيران في سياق ردعي لزيادة تكلفة فاتورة توجيه ضربة عسكرية لها. وقد آن الأوان لتحييد تلك الورقة، لا بل حرقها. وهذا يتطلب عملاً جماعياً وليس خليجياً فقط، من آسيا التي تستورد 90 في المئة من احتياجات الطاقة من منطقة الخليج وكذلك أوروبا التي تستورد 75 في المئة والولايات المتحدة التي تستورد 22 في المئة من احتياجاتها من النفط. لنتشارك جميعاً ونفكر في كيفية إيجاد بدائل عملية وناجحة لمضيق هرمز تكون بوليصة تأمين للاقتصاد العالمي في عملية ربحية لجميع الأطراف المعنية. ولكن التحدي الكبير أمام دولنا هو: هل من الممكن فعلاً إيجاد بدائل لمضيق هرمز؟ أو على الأقل تقليص دوره ومحوريته وكونه ورقة قوية بيد إيران تلوح وتهدد بها. ولماذا لا يكون هناك أكثر من خيار وأنبوب نفط خليجي إلى خليج عمان وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق الإمارات وعمان واليمن والسعودية والعراق؟ ولماذا لا يتم تخزين النفط الخليجي في حاويات عملاقة في موانئ عمان كصلالة، واليمن في المكلا وعدن؟ لنفكر جميعاً خارج الإطار التقليدي لمصلحتنا جميعاً! فهل يحفز هذا الواقع الصعب دول المجلس للتعامل بشكل استراتيجي مع هذا التحدي؟!