كوريا الجنوبية دولة تربطها بالإمارات علاقات اقتصادية وعلمية متميزة، وهي بلد أذهل العالم خلال العقود الأخيرة، حيث نجحت في تطوير اقتصاد قائم على العلم والمعرفة، وانتزعت لنفسها مكاناً مرموقاً في سجل الحضارة الإنسانية المعاصرة. خلال الأسبوع الماضي زرت ذلك البلد الناجح بمقاييس العالم، محاولاً الوقوف على عوامل نهضته المعاصرة. وقد يسأل البعض عن سر اختيار كوريا لعرض تجربتها في برنامج «خطوة»! من وجهة نظري الشخصية فإن كوريا تتشابه مع المجتمع العربي في العديد من السمات، منها البعد الاجتماعي، فهم أسر مترابطة وممتدة عبر أجيال كما هو حال العرب. ومن طريف القول أن جل من التقيت بهم كانوا من أسرتين هما «كم» و«لي». الأمر الثاني المرتبط بالبعد الاجتماعي، احترامهم للكبير زمناً وقدراً، ففي كوريا مثلاً لن يخرج الموظف من عمله قبل خروج مديره حتى ولو انتهت ساعات العمل. كوريا بلد ليس به موارد طبيعية كما هو حال بعض الدول العربية التي اعتبرت ذلك حجة للفقر والتخلف، لكن كوريا التي كان دخل الفرد فيها أقل من دخل الفرد في أفغانستان في الستينيات سجلت فائضاً تجارياً بنحو 5 مليارات دولار في أكتوبر الماضي، فلماذا تقدمت هذه الدولة إذن؟ للنجاح قصة وقيادة، وهذا ما حصل في كوريا. عندما تولى الرئيس الكوري «جونغ هي بارك» الحكم بعد التحرر من اليابان، قال كلمته المشهورة: «الفقر ليس قدرنا، يجب أن نغير واقعنا». وقد صدق في عباراته وصدق الواقع الكوري مقالاته، على عكس الخطاب العربي الذي يرفع شعار التغيير نحو الأفضل، لكن الإنسان في تلك الأوطان لا يرى تقدماً يذكر! فماذا جرى كي تنجح كوريا؟ القضاء على الأمية كان السبيل الذي أقرته الحكومة مباشرة، فلا ترقى المعارج أمة ترجو سيادتها بجهل مطبق، كما قال الشاعر العربي. وقد لاحظ «جونغ» صعوبة نشر العلم بين الناس، لأن لغة التعلم في وقته كانت اللغة الصينية التي لم يكن يتقنها كل أبناء الشعب الكوري. وكحل عملي ابتكر اللغة الكورية، وهي أسهل من الصينية وبالإمكان تعلمها بسرعة، كما قال لي طلبة الإمارات المبتعثون إلى كوريا. فانتشر العلم بين أهل البلاد ونجحوا في القضاء على الأمية، بل تعاني كوريا اليوم من كثرة المتعلمين بينما بعض الدول العربية تعاني انتشار الأميين فيها. بعد العلم جاء دور الصناعة وبالذات المرتبطة بالحديد حتى أصبحت كوريا مدرسة في صناعة السفن العملاقة، وتطورَ الأمرُ بهم لصناعة السيارات المنتشرة اليوم في العالم، وهي على وشك منافسة جودة السيارات اليابانية، وكما قال لي أحد المسؤولين في شركة «هايونداي»: نحن سنتفوق لأننا ندرس كل مجتمع ونعيد تصميم سياراتنا وفق متطلباته المادية والنفسية. الموجة الصناعية الثانية كانت عند دخولهم عالم التكنولوجيا والصناعات الذكية. وكلنا يدرك المنافسة القوية بين «سامسونج» الكورية و«أبل» الأميركية، والمستقبل القريب سيحمل للعالم مفاجآت في هذا السباق اطلعت على بعضها. الوقفة الأخطر في زيارتي كانت عندما عرفت أن الشعب الكوري ليس مقتنعاً بنظامه التعليمي، والذي يعتبر أحد أسرار تقدمه، لكنهم أمة حية يقظة، وقد قال لي أحد خبراء التعليم، إننا على وشك البدء في مرحلة جديدة من التعليم ننتقل بها من التعليم التقليدي إلى تعليم يعزز قيم الإبداع والابتكار لدى كل التلاميذ.