بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة بالتسبب في هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 وبعد سنوات من المقاطعة الشخصية وتقديم دعاوى قانونية كل ضد الآخر، اجتمع الجنرال زامير والجنرال زاعيرا وجهاً لوجه. لقد نشرت الصحف الإسرائيلية صورة للجنرالين وقد بدت عليهما آثار الشيخوخة وهما يتصافحان عندما جمع بينهما مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب في نهاية أكتوبر المنصرم. دعي زامير بصفته رئيس جهاز «الموساد» أثناء حرب 1973، وزاعيرا بصفته رئيس المخابرات العسكرية في نفس الفترة. كان الاجتماع مخصصاً لبحث دروس حرب 1973 في الذكرى السنوية الأربعين. لقد غلب الحزن على الحديث الذي قدمه كل منهما على حدة، فمازال الجرح غائراً رغم مرور أربعين سنة كما تقول التقارير الصحفية الإسرائيلية، لم ينس الرجلان اللذان كانا شريكين عام 1973 في المسؤولية عن أمن إسرائيل وحماية أطماعها التوسعية أنهما أصبحا محل اتهام تاريخي، إنه اتهام يقضي بأنهما قد قصرا في اكتشاف أن مصر وسوريا تعدان للحرب وأنهما ظلا غافلين عن فهم معنى الحشود العسكرية التي تتجمع أمام أعينهما منذ منتصف شهر سبتمبر 1973 من جانب الجيشين المصري والسوري. كان تقدير رئيسا جهازي المخابرات معاً هو أن احتمال الحرب ضعيف، وكانت أسبابهما معاً كالتالي: 1- أن الحشود السورية العسكرية هي تعبير عن خوف سوريا من أن تتعرض لهجوم إسرائيلي شامل خصوصاً بعد أن قام السلاح الجوي الإسرائيلي بإسقاط ثماني عشرة طائرة حربية سورية يوم 13 سبتمبر 1973، وهو فهم اعتبرته لجنة «أجرانات» التي كلفت بعد الحرب بالتحقيق في أسباب الهزيمة، فهماً غريباً من جانب المخابرات الإسرائيلية. فقد كان المفروض أن الطرف الذي يجب أن يخشى رد فعل انتقامي هو إسرائيل التي أسقطت الطائرات السورية وليس العكس. 2- أن سوريا لا تستطيع القيام بهجوم على إسرائيل وحدها بدون مصر. 3- أن مصر لن تهاجم إسرائيل إلا بعد أن تحصل من الاتحاد السوفييتي على طائرات مقاتلة متقدمة وصواريخ أرض أرض لتستطيع موازنة قوة إسرائيل، وهو مفهوم تم زرعه من جانب أشرف مروان في المخابرات الإسرائيلية. 4- أن الحشود المصرية في سيناء هي مجرد مناورات في الخريف شأنها شأن مناورات الصيف التي جرت في شهر مايو واضطرت إسرائيل إلى إعلان التعبئة العامة بسببها وتحملّت خسائر اقتصادية لا لزوم لها. لقد بلغت أحزان الجنرالين قمتها عندما قال زاعيرا إن أحد أكبر أوجه التقصير هو أن إسرائيل وجهازي «الموساد» و«المخابرات العسكرية» لم يكوِّنا فرعاً لدراسة نفسية الشعب المصري، فلقد شعر هذا الشعب بعد هزيمة 1967 أن بعض اليهود القادمين من أوروبا قد هزموا جيشه الذي يفاخر به وبالتالي غلب على الشعب المصري إحساس المهانة والرغبة في الانتقام لكرامته من إسرائيل. لقد كان هذا الاعتراف من زاعيرا بعد أربعين سنة أمراً جديداً يكشف عن درس جديد هو درس التقصير في إعطاء البُعد النفسي في الحروب أهميته التي لا تقل عن أهمية التسليح.