مرة أخرى، يظهر رد الفعل العنيف للكشف عن أن الولايات المتحدة قامت بالتجسس على قادة العالم، حجم المخاطر التي تتعرض لها دولتنا التي تقوم بعمليات الرقابة، ويتعين على إدارة أوباما أن تكبح جماح هذه العمليات. في هذه المرة، أصاب الضرر أهم تحالفاتنا الدبلوماسية، فقد أشارت تقارير إلى أن وكالة الأمن القومي كانت تراقب المحادثات الهاتفية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وعلى الأقل 35 غيرها من قادة العالم. وقد نددت ميركل بالتنصت على هاتفها، باعتباره أمراً "غير مقبول تماماً" و"انتهاك خطير للثقة". ومن جانبه، اندفع البيت الأبيض للسيطرة على الضرر، في محاولة لتهدئة مخاوف حلفائه الأوروبيين. غير أن ميركل ليست سوى أحدث زعماء العالم الذين تعرضوا لعمليات مراقبة من قبل وكالة الأمن القومي. وعلى الجانب الآخر، كانت التداعيات الدبلوماسية لفضيحة التجسس الدولية في الواقع أكثر سوءاً في أميركا اللاتينية، حيث قامت وكالة المخابرات الأميركية بالتجسس كذلك على رؤساء البرازيل والمكسيك، وغيرهما من دول أميركا اللاتينية. ورداً على ذلك، ألغت رئيسة البرازيل ديلما روسيف زيارتها الرسمية لواشنطن، والتي كان من المفترض أن تضمن تحالفاً متنامياً بين الدولتين. ولم تفلح المكالمة الهاتفية التي أجراها أوباما واستغرقت عشرين دقيقة في إنقاذ هذه الرحلة. وكما هو الحال في أوروبا، فقد أصاب الضرر في أميركا اللاتينية شراكات واشنطن الحيوية- وفي هذه الحالة مع أكبر ثقلين في المنطقة وهما البرازيل والمكسيك. ويذكر أن أوباما، عقب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة بفترة قصيرة أخبر قادة أميركا اللاتينية خلال إحدى القمم أنه يريد بناء "شراكة متكافئة" مع المنطقة تستند على "الاحترام المتبادل". وقال الرئيس"أعرف أن وعود الشراكة لم تتحقق في الماضي، وأنه يجب بناء الثقة على مر الزمن"، ومن الواضح أيها الرئيس أن التجسس على حلفائك ليس أفضل الطرق لكسب هذه الثقة. تاريخ أجهزة الاستخبارات الأميركية فيما يتعلق بتدبير الانقلابات ودعم الديكتاتوريات في أميركا اللاتينية، يعني أن فضيحة التجسس قد أصابت على وجه الخصوص الأعصاب الحساسة في المنطقة. "لقد شعرت بقشعريرة عندما علمت أنهم يتجسسون علينا جميعاً"، هكذا قالت رئيسة الأرجنتين. وإذا أراد أوباما أن يطمئن حلفاءه في أعقاب أحدث فضيحة دبلوماسية، فلابد له من اتخاذ إجراءات حاسمة ضد عمليات المراقبة الغزيرة التي تحول أصدقائه إلى أعداء، سواء في الداخل أو في الخارج. ويذكر أن وكالة الأمن القومي تجري عدداً كبيراً من عمليات التجسس في أميركا اللاتينية، خاصة فيما يخص النشاط الاقتصادي للدول وحكوماتها. وكانت مواقف دول أميركا الجنوبية أكثر حسماً في تعاملها مع قضية التجسس الأميركية، وقد قررت هذه الدول التعامل بمبدأ "العين بالعين"، فقد اتهمت هذه الدول الولايات المتحدة بالتجسس عليها لمعرفة مخططاتها المالية والعلمية واستخدامها ضدها، وهددت بمنح العميل الأميركي إدوارد سنودن حق اللجوء السياسي إليها. وتقود البرازيل حالياً مشروعا لمنع التجسس الأميركي من خلال إنشاء وصلات جديدة للإنترنت، لا تمر بالأراضي الأميركية، وستصل مباشرة من أميركا الجنوبية إلى أوروبا عن طريق الصين والهند وجنوب أفريقيا. تيو بالفي زميل من مجلس بحوث العلوم الاجتماعية - نيويورك ينش بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي. انترناشونال"