إذا كان العالم قد صفق للاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً بشأن تدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا باعتباره خطوة نحو السلام، فإنه لا يوجد وقت الآن للاحتفال الزائف. ذلك أن التحديات الأكثر إلحاحاً، بالنسبة لملايين السوريين الذين اجتثوا من بيوتهم، ناتجة عن مخاوف تتعلق باحتياجات أساسية: الغذاء والماء والدواء والمأوى. ومع حلول فصل الشتاء، يزداد تحدي البقاء على قيد الحياة صعوبة. فقساوة الشتاء ستزيد من معاناة وبؤس الـ2,2 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة. وخلال الأشهر المقبلة، سيجد أكثر من مليون طفل نازح أنفسهم في درجات حرارة دون الصفر، علماً بأن الكثير منهم ليست لديهم أحذية أو جوارب. كما أن كثيرين منهم يعيشون في بنايات مهجورة أو في خيام مرتجلة مصنوعة من أقمشة غير مصممة لتقي أجسامهم الواهنة من برد الليل القارص. كما أنهم لا يملكون حطباً أو وقوداً يساعدهم على تدفئة أنفسهم، ويفتقرون إلى الملابس والبطانيات التي تمنع زمهرير الشتاء من اختراق أجسامهم. وخلال الشتاء الماضي، ساعدت الوكالات الإنسانية أكثر من 300 ألف لاجئ على اجتياز فصل البرد، غير أن هذا الشتاء يُتوقع أن يكون واحداً من أقسى الفصول منذ سنوات. كما أن حجم المشكلة بات أسوأ بكثير مقارنة مع العام الماضي نظراً لأن ثمة نحو سبعة أضعاف عدد اللاجئين الذين كانوا موجودين العام الماضي؛ ونصفهم أطفال، وأكثر من 800 ألف منهم في سن الثانية عشرة أو أقل. وداخل سوريا نفسها، هناك أيضاً أكثر من 4 ملايين شخص نازح -أي ضعف عدد العام الماضي- كما أن 6 ملايين شخص إضافي يحتاجون مساعدات لإنقاذ حياتهم. واحتياجات هؤلاء تصبح أقوى وأكبر عندما تنخفض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر. غير أن إيصال الإمدادات إلى السوريين النازحين داخل سوريا ما زال أيضاً يمثل تحدياً كبيراً آخر، نظراً لأن كثيرين منهم عالقون في مناطق يدور فيها القتال. وتعتزم الوكالات الإنسانية، مثل وكالتينا توزيع البطانيات والملابس والمواقد وبعض المواد الأساسية قبل أن يشتد البرد، ولكن مع اقتراب فصل الشتاء، علينا أن نعيد التفكير في حجم وطبيعة الرد بأفضل الطرق. أولاً، وبيت القصيد هنا هو التمويل، فالاحتياجات الإنسانية في سوريا والبلدان المحيطة بها تناهز 4,4 مليار دولار، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وحتى الآن، تم جمع نصف هذا المبلغ فقط. ولذلك، فإنه لابد من مزيد من الدعم قبل أن يفتك البرد بالأجسام الصغيرة والضعيفة. ثانياً، على المجتمع الدولي أن يوفر المساعدة حيثما توجد أكبر حاجة إليها. فالمساعدات الإنسانية -والكثير من اهتمام وسائل الإعلام- تركز على مخيمات اللاجئين؛ والحال أن ثلاثة أرباع اللاجئين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في البلدات والقرى، بدون الرعاية الصحية والمياه والأغذية المتوفرة في المخيمات. على أن الاحتياجات كبيرة بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية، في ضيافة أهال يعانون هم أنفسهم ضيق ذات اليد ويكافحون لتوفير احتياجاتهم الأساسية. ثالثاً، إن من شأن توفير المزيد من الإمكانيات أن يسمح لمنظمات المساعدة بأن تصبح أكثر ابتكاراً بشأن طرق توصيل الدعم. ففي المناطق الحضرية، حيث تشتغل الأسواق بشكل فعال، يمكن للتحويلات المالية المباشرة والقسائم أن تساعد اللاجئين على شراء الملابس والبطانيات والوقود والطعام، في الوقت نفسه الذي تدعم فيه الاقتصاد المحلي. وتقوم وكالتانا وشركاؤهما بتزويد عشرات الآلاف من العائلات بمساعدة شهرية من خلال بطاقات «الصراف الآلي» في لبنان والأردن؛ غير أن هذه البرامج يمكن أن تكون أكثر فعالية ويمكن توسيع نطاقها أكثر من خلال مزيد من التمويل للتدريب والتوزيع. رابعاً، مع العبء الثقيل الذي يشكله تدفق اللاجئين على البلدان المجاورة، يجب رصد مزيد من الدعم الدولي لهذه المجتمعات والخدمات العامة فيها. فعدد سكان لبنان، على سبيل المثال، ازداد بالربع تقريباً، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية والإمدادات. وإذا استمرت الحرب في سوريا، فإن البطالة في لبنان قد تتضاعف بحلول نهاية العام القادم؛ كما أن عدد اللبنانيين الذين يعيشون في الفقر يمكن أن يرتفع إلى 20 في المئة. وعلاوة على ذلك، فإن الضغط على المجتمعات المضيفة يزداد في الأردن والعراق وتركيا أيضاً. وفي مثل هذا الوضع، يجب أن تذهب المساعدات إلى اللاجئين مثل السكان المحليين أيضاً. ولكن هذه الاحتياجات تتجاوز القدرة المحدودة بكثير؛ ولذلك، فإن المطلوب هو دعم قوي وطويل المدى من الشركاء. ومما لاشك فيه أن من الممكن إحداث فرق واسع النطاق بالنسبة لظروف حياة ملايين السوريين. ولكن مع انخفاض درجات الحرارة، بدأ الوقت ينفد. والكثير من العائلات تتنقل منذ أشهر وقد اضطرت للتحرك عدة مرات، من الإقامة لدى الأصدقاء والأقارب إلى النوم في مبان عامة ومخيمات أكبر. ومعظمها أنفقت أي مدخرات كانت لديها، وباعت النساء حليهن وممتلكات أخرى؛ ولذلك، فإن هؤلاء غير مستعدين لتحمل أخطار الشتاء وتكاليفه. بيد أن ثمة فرصة صغيرة لمساعدة السوريين على تحمل موسم البرد القادم. لقد عانوا بما يكفي، وعلينا أن نقوم بكل ما هو ممكن للإبقاء عليهم آمنين ومتدفئين.