يتعرض الجمهور الأميركي ووكالات التمويل الخاصة والرسمية لهجمات منذ شهور من جدل المتخصصين والحزبيين فيما يتعلق بحجم الديون وخطرها. وينشأ عدم الاتفاق عن الخلافات الاجتماعية والأيديولوجية التي تقسم الأحزاب السياسية الأميركية بشكل مباشر أو غير مباشر فيما يتعلق بقضايا الإنفاق وتخصيص الأموال العامة. ودائماً تعرض عمليات الإنفاق هذه في المناظرات (عادة في التلفزيون والصحافة المكتوبة) دون تعريف واضح أو شرح أو مقارنات يمكن أن تقدم تفسيراً ميسور الفهم لما تعنيه الأرقام وعلاقاتها ببعضها البعض أو بنفقات الحكومة الأخرى أو المبالغ الأساسية للحكومة حتى يستطيع غير المتخصص أن يفهم الأهمية الحقيقية للمبالغ التي تجري مناقشتها. وأشار الدكتور دين بيكر، من «مركز أبحاث السياسة والاقتصاد» في واشنطن إلى استطلاع رأي لشبكة «سي. إن. إن»، في عام 2011، كشف عن أن الأميركي المتوسط يعتقد أن المساعدات الأجنبية تمثل 10 في المئة من الميزانية القومية. وهذا كثير من المال، أليس كذلك؟ فالإنقاق القومي الفعلي على المساعدات الأجنبية أقل من 1 في المئة من الميزانية الأميركية. وأنا نفسي ضحية لهذه المشكلة، فشهيتي الطبيعية للرياضيات ضعيفة، ما يضطرني للاستعانة بمعرفة وأبحاث زوجتي صاحبة الموهبة في هذا المضمار، بالإضافة إلى مقترح رائع ومحكم نشر في 15 أكتوبر 2013 بمجلة «تروث أوت» على الإنترنت لـ«بيكر»، المتخصص الكبير في الاقتصاد وعضو هيئة التدريس السابق في جامعة بوكنل. ولنبدأ بالموزانة. فللتو شاهدت عضواً من الحزب الجمهوري في مجلس النواب يقول لصحفي في شبكة «سي. إن. إن» إنه من الملح للغاية أن تتوقف أميركا عن الغوص في عجز موازنة قومي «يتزايد بلا نهاية ولا قرار». والعضو مخطئ تماماً، فهناك مستويان من العجز القومي في الموازنة، وكلاهما جيد إن لم يكونا في حالة ممتازة. وكل يوم يناقش مجلس النواب حدود الدين العام، وقد أشار أوباما لهذه الحقيقة، ولم ينتبه أحد من الخصوم. وأحد العجزين يتعلق بدين تراكمي تجمع على مدار سنوات كثيرة وهو الدين العام. وقد تضخم هذا الدين الهيكلي اليوم ليصبح 18.7 تريليون دولار في 30 سبتمبر 2013، لكن نسبته لما تكسبه البلاد بالفعل مازالت ثابتة. فالأرقام «تضخمت»، لكن النسب ظلت دون تغيير. فالدين حالياً يمثل 77 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ومع تزايد عائدات الضرائب بنحو 15 في المئة عام 2013، مما يضخ أموالاً أكثر في الخزانة، يتوقع أن ينخفض العجز الهيكلي إلى 16 تريليون دولار بحلول نهاية 2013، وفقاً لبلومبيرج. وعلى سبيل المقارنة، فنسبة الدين العام في اليابان إلى إجمالي الناتج المحلي هي الأكبر في العالم، إذ تبلغ 214.3 في المئة. والدول الأوروبية المحورية أدنى بكثير، حيث تبلغ في بريطانيا 88.7 في المئة وفي فرنسا 89.9 في المئة وفي ألمانيا 81.7 في المئة. وجميعها أعلى من الولايات المتحدة، بل تبلغ تلك النسبة في إيطاليا 126.1 في المئة. وثاني عجز قومي هو العجز الحالي في الموازنة، والذي يحظى بأكبر قدر من الجدل السياسي. وهذا يمثل الزيادة أو النقص السنوي في العائدات بالنسبة للإنفاق. وهذا العجز ينخفض بشكل كبير في أوروبا الغربية بفضل برامج التقشف الحالية. لكن أهم تقلص يُسجل في الولايات المتحدة! وهذا بفضل الزيادة في العائدات وتنفيذ التقلص الإجباري في الإنفاق. والعجز في الموازنة الأميركية انخفض للنصف خلال العامين الماضيين. ويبلغ حالياً 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ويتوقع أن ينكمش إلى 3.4 في المئة العام المقبل. ليقترب من نسبة 3.3 في المئة، أي المتوسط الذي ساد خلال الثلاثين عاماً الماضية. وفي أوروبا، تعتبر نسبة 3 في المئة كعجز في الموازنة، هدفاً أمثل لكل دول الاتحاد الأوروبي، والتي لم تستطع أي منها تسجيل أقل من تلك النسبة حالياً إلا ألمانيا. وتكافح بريطانيا وفرنسا لبلوغ نسبة الخمسة في المئة. وتبلغ نسبة عجز الموازنة في كثير من الدول الأوروبية نحو ثمانية في المئة، وحكوماتها تحسد الولايات المتحدة. فما الذي يمكن فعله بشأن الجهل الفظيع وشديد الخطورة للأميركيين بشأن ما تعنيه الأرقام بالفعل؟ قدم الدكتور «بيكر» إجابة بسيطة وذكية. فصحيفة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، باعتبارهما صحيفتين قوميتين بارزتين، تستطيعان حل المشكلة في غضون أسابيع. وكتب بيكر: «لا يوجد داع لتغطية صحفية لا تقوم بإعلام الجمهور بالفعل... فليس هناك صحفي في أي منفذ إعلامي كبير لا يستطيع تحويل مبلغ بالدولار إلى نسبة من الموازنة في ثوان. ولن يقول صحفي جاد إن أي نسبة جوهرية من قرائهم ستفهم ما يعنيه الأمر إذا كتب أنه سيتم تقليص 40 مليار دولار من إعانات الغذاء على مدار العقد المقبل». ويضيف بيكر: «قل للقراء ماذا تعني المعلومة كل مرة! أخبرهم بالنسبة التي يمثلها فعلياً كل رقم مهم من الميزانية القومية. أفعل هذا باعتباره سياسة تحريرية للصحيفة! إذا تبنت هاتان الصحيفتان البارزتان فحسب مثل هذه السياسة فالمنافذ الأخرى قد تتبعهم في غضون أيام. وسوف تتغير السياسة الأميركية؛ لأن الناس في النهاية سيعرفون!». ـ ـ ـ ـ ـ ويليام فاف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»