لا يبدو أن تداعيات فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأميركي على عدد من القادة والزعماء في العالم، من بينهم قادة دول صديقة وحليفة ستزول قريباً، بل إنها أخذت تكبر ككرة الثلج مع زيادة التسريبات الصحفية، لتصبح من أكثر الأزمات والتحديات صعوبة أمام أوباما الذي حاول إخلاء نفسه من المسؤولية عن هذه الفضيحة الدولية. ومنذ أن هرب إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي حاملًا معه وثائق سرية تؤكد تجسس الولايات المتحدة على الأميركيين وغيرهم وأيضاً على زعماء وقادة العالم في بلدانهم وفي المؤتمرات الدولية، أوقعت هذه المعلومات الإدارة الأميركية في حرج بالغ داخلياً وخارجياً. ومن بين الزعماء الذين كشفت الوثائق التجسس عليهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة البرازيل ديلما روسيف، وقامت حكومتهما بالتنديد بهذه الممارسات واستدعت سفيري الولايات المتحدة، وقامت مؤخراً بإرسال موفدين من أجهزة الاستخبارات للقاء المسؤولين الأميركيين للاستيضاح حول هذه القضية. ويبدو أن إدارة أوباما متورطة في أزمة دبلوماسية جديدة هذه المرة ذات طابع داخلي وخارجي. ففي الداخل نظمت جماعات حقوق الإنسان والناشطون من مختلف الأطياف حملة «توقفوا عن مراقبتنا» وتضمنت مسيرة احتجاجية وقدمت للكونجرس عريضة تتضمن توقيعات لأكثر من نصف مليون أميركي يطالبون الحكومة بوقف هذا البرنامج. وخارجياً، بدأت الأزمة مع روسيا منذ يونيو الماضي عندما منحت موسكو حق اللجوء المؤقت لسنودن لمدة سنة واحدة ولم تفلح مساعي واشنطن في استرجاعه لمحاكمته بتهمة التجسس، وسرقة معلومات سرية عن برامج الأمن القومي. وفي هذه الأثناء تواجه الإدارة الأميركية تصعيداً من حلفائها ضحايا برنامج التجسس الذين يبدو أنهم لم يكتفوا بالتنديد، حيث تعتزم بعض الدول رفع الموضوع إلى الأمم المتحدة لمواجهة برنامج التجسس الأميركي على الحلفاء وقادة هذه الدول. وأشارت تقارير إخبارية بأن ألمانيا والبرازيل اقتربتا من إنجاز مسودة مشروع قرار سيقدم مطلع الأسبوع المقبل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيطالب بوضع نهاية لعمليات التجسس المكثفة وانتهاك الحياة الشخصية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى قامت بتطوير برامج للتجسس الإلكتروني منذ الحرب العالمية الثانية.. وقد أنشأت لهذا الغرض وكالة الأمن القومي الأميركي عام 1954، وهي وكالة فيدرالية مختصة بشؤون جمع المعلومات المرسلة عن طريق أنظمة الاتصالات المختلفة وتحليلها بواسطة تقنية متقدمة. ومن برامج التجسس التي تحيط بها السرية برنامج «إيكيلون» ECHELON وهو نظام عالمي لرصد البيانات واعتراضها ونقلها يغطي كافة أنحاء العالم ويتم تشغيله من قبل مؤسسات استخبارية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وطبقاً لتقرير أعدته اللجنة الأوروبية، فإن بإمكان «إيكيلون» اعتراض وتعقب أكثر من ثلاثة بلايين عملية اتصال يومياً تشمل كل شيء من مكالمات الهواتف الأرضية والجوالة واتصالات الإنترنت وتلك التي تتم عبر الأقمار الصناعية. ويقوم النظام بجمع كافة هذه الاتصالات دون تمييز، ومن ثم تصفيتها وفلترتها باستخدام برامج الذكاء الصناعي لإنشاء تقارير استخبارية. وبحسب معلومات غير مؤكدة فإن «إيكيلون» يقوم بالتجسس على 90 % من المعلومات المتداولة عبر الإنترنت. إن قضية تجسس أميركا على الاتصالات ليست بالسر الخافي، وتتم في الغالب وفقاً لقوانين داخلية أو لاتفاقيات وتفاهمات استخباراتية بين الدول، خاصة عندما يستهدف التنصت أنشطة من يوصفون بالإرهابيين وملاحقة أولئك الذين يشكلون خطراً على الأمن والسلم الدوليين. ولكن الجديد هذه المرة هو أنها طالت حلفاء هم أقرب ما يكونون إلى التناغم التام مع السياسة الأميركية، ما يؤكد أن عمل الجاسوسية والاستخبارات قد لا يستهدف الأعداء فقط وإنما أيضاً الأصدقاء دون مراعاة لحُرمة العِشرة أو الوفاء تجاه الأصدقاء المقربين.