قدّم آرجون سرينيفاسان، المدير المساعد لمراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها عرضاً وضّح فيه لمسؤولي الصحة بعض المعلومات المزعجة، وقال?:? إنه قبل عام 2000، كان من النادر العثور على بكتيريا مقاومة لعقار كاربابينيم، وهو مضاد حيوي قوي يستخدم كملاذ أخير. لكن بحلول فبراير شباط عام 2013، ظهرت البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في كل ولاية تقريباً. وقدّم سرينيفاسان إفادة إلى توماس فريدن، مدير المراكز. وأصدر فريدن في الخامس من مارس آذار تحذيراً عاماً عن بكتيريا «الكابوس»، وهي نوع من الميكروبات يعرف باسم «سي. آر. إ». وتستطيع هذه البكتيريا قتل نصف المرضى الذين يصابون في الدم بها، لاسيما أنها تقاوم معظم أو كل المضادات الحيوية وتنشر المقاومة إلى السلالات الأخرى من الميكروبات. ونشر فريدن الشهر الماضي تقريراً قال فيه?:? إن مليوني أميركي على الأقل يصابون كل عام بعدوى تقاوم المضادات الحيوية، وأن 23 ألف شخص على الأقل يموتون نتيجة لهذا السبب. وحذّرت مارجريت تشان، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية?،? العام الماضي من أن «حقبة ما بعد المضادات الحيوية تعني فعلياً نهاية العقاقير الحديثة كما نعرفها. وقد تتسبب أمور عادية مثل التهاب الحلق أو خدش في ركبة طفل في الوفاة مرة أخرى». وينبغي أن تثير كلمات فريدن وتشان فينا الرعب، لكن تغطيتي الصحفية للفيلم الوثائقي «مطاردة بكتريا الكابوس» التي أذيعت مؤخراً في برنامج «فرونتلاين» على شبكة خدمة الإذاعة العامة «بي. بي. إس» التلفزيونية الأميركية، تشير إلى أن التحذيرات السابقة عن مقاومة مضادات الميكروبات تم التغاضي عنها إلى حد كبير، فهذا ليس تهديداً يقض مضاجع الناس. الأمر يبدو دوماً كما لو أن المشكلة تخص شخصاً آخر من زمن آخر! ينبغي علينا أن نتخلى عن رضانا عن النفس طويل الأمد. فقد حذّر ألكسندر فليمنج من مقاومة البنسلين في كلمته عند تسلم حائزة نوبل التي فاز بها عام 1954. لكن بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت «العقاقير العجيبة» لا ينضب معينها فيما يبدو وفاعليتها هائلة وتفتح الباب لآفاق جديدة. والإصابة لم تعد تعني موتاً مؤكداً. فما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟ جاءت الإجابة في عدد من الكتب والتقارير العلمية التي تحذّر من أن البكتريا تطور مقاومة للمضادات الحيوية، ويرجع هذا في جانب منه إلى الإفراط اللامبالي في الاستخدام. وفي عام 1982، نشر «مارك لاب» كتاباً بعنوان «الميكروبات التي لا تموت». وعُقد مؤتمر عام 1984، في المعاهد الوطنية للصحة، تمخض عن دراسة نشرت بعد ذلك بثلاث سنوات أشارت إلى أن «عواقب مقاومة الميكروبات بلا حدود، وأنه تم رصد انتشار جينات للمقاومة في دول على امتداد العالم». ونشر «ستيورات بي. ليفي»، من جامعة تافتس الأميركية، وهو رائد في بحوث مقاومة الميكروبات وأشرف على دراسة المعاهد الوطنية للصحة، كتاباً في عام 1992 بعنوان «مفارقة المضادات الحيوية: كيف يدمر سوء استخدام المضادات الحيوية قدراتها العلاجية». ونشر مكتب الكونجرس للتقييم التكنولوجي تقريراً ضخماً عام 1995. ومنذ ذاك الحين تدفقت الكتب العامة والمقالات. فإذا كان فريدن على صواب، فأزمة الصحة العامة تتطلب أكثر من نهج اقتصادي الطابع كالمعتاد في واشنطن. فقد رأيت أشخاصاً أذكياءَ في مراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها والمراكز الوطنية للصحة وإدارة الأغذية والعقاقير وأماكن أخرى، يعملون جميعاً على أزمة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية، لكن من شبه المستحيل تقريباً العثور على أي شخص في الحكومة في مستوى وزاري، أو بالقرب منه، يتولى الأمر. وقيل لي: إن جهود التنسيق الرئيسية تمثلت في قوة مهام بين عدد من الوكالات أنشئت عام 1999 وتجتمع مرة في العام. ولا يمكن إرجاع عدم مبالاتنا إلى الافتقار للأدلة، لأن مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية واقع ماثل. وسياسياً، لا يوجد هناك جمهور ناخبين نشط ولا جماعات نشطة للمرضى تنظم مسيرات في الشوارع، فنحن نتناول المضادات الحيوية لفترة ثم ننساها. والمستشفيات التي يمكن أن تكون بوتقة لمقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية مازالت صامتة مخافة الدعاية المضادة وخصوصية المرضى، لكن هناك بُعد آخر للأزمة، فاقتصاديات تطوير العقاقير قادت شركات العقاقير الكبيرة إلى ترك البحث في مضادات حيوية جديدة ومتابعة السعي وراء علاجات أكثر ربحاً للأمراض المزمنة، فخط أنابيب المضادات الحيوية ينضب ببطء. وينبغي على أوباما أن يوقظنا من هذا السبات ويعين شخصاً يهتم بمشكلة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية على جميع الجبهات. والأهداف واضحة: تغطيةٌ أكثر تفصيلا للبيانات على مستوى البلاد؛ وتحسين مراقبة المضادات الحيوية الموجودة؛ واكتشاف كبير في مجال عقاقير المضادات الحيوية وجهود التطوير. ويجب علينا ألا نتوقع أن تضطلع الحكومة بالأمر كله. هذه الأزمة تحتاج حقاً إلى تعاون واسع النطاق بين علماء وباحثين إكلينيكيين ومستشفيات وجهات تنظيمية وصناعة إنتاج العقاقير، لكن الحكومة يمكنها أن تلقي الضوء على الأمر وتحفز الناس صوب نتيجة لا يستطيع كل واحد أن يحققها بالعمل منفرداً في مواجهة خطر حقيقي. مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية عملية يحركها التطور بلا كلل، لكن يجب علينا ألا نجلس مكتوفي الأيدي. ولا يتعين علينا العودة إلى عصر ما قبل المضادات الحيوية. فهناك حاجة إلى زعامة تتقدم الطريق، كي تستمر عجائب العقاقير العجيبة ونمضي على طريق المستقبل. ديفيد هوفمان صحفي أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»