قبل ما يقارب العامين، وبالتحديد في 17 يناير 2010، في مؤتمر نظمه «مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية» بمملكة البحرين، بعنوان «الأمن الوطني الإقليمي لدول مجلس التعاون -رؤية من الداخل»، ارتفع صوت الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، محذراً الخليجيين من الاتكال على السياسة الأميركية في المنطقة، قائلاً: إن أميركا ليس لها صديق، تفض يدها من أصدقائها بسرعة. وذهب إلى أن السياسة الأميركية تشكل تهديداً أولياً للأمن الخليجي لأنها تسعى إلى قلب الأنظمة. وتنبأ خلفان بأن السنوات الخمس القادمة ستكون «سنوات مخاض في الخليج أمنياً وسياسياً». تحذيرات وتنبؤات الفريق خلفان أتت على خلفية ما شهدته المنطقة من تغيرات سياسية عنيفة أفرزها ما سمي بثورات «الربيع العربي»، تخلت فيها الإدارة الأميركية عن حلفاء أساسيين وقفوا معها وحملوا مصالحها سنين طويلة في المنطقة، لصالح قوى أيديولوجية ليست حليفة للخليجيين، وساندتها للوصول إلى السلطة، إضافة إلى الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها مملكة البحرين وقتها، ورأى الخليجيون أنها تمت بتأثير من الخارج الذي وظف «الطائفية» لخدمة أجندته في المنطقة في الوقت الذي اتسم فيه الدور الأميركي بكثير من التردد وعدم الحسم بل والتراجع والانكفاء لصالح تغلغل النفوذ الإيراني في العراق -بعد الانسحاب الأميركي- وامتداده إلى شواطئ المتوسط ليشكل أكبر داعم للنظام السوري في قمع شعبه. اليوم، وفي ضوء تقلبات الحليف الأميركي وتذبذب سياساته في المنطقة عامة وفي الخليج خاصة، تتأكد صحة تلك التحذيرات والتنبؤات، فحليفنا الاستراتيجي التاريخي في حالة تراجع، والثقة فيه أصبحت مهزوزة، والتعهدات الأميركية للخليج باتت موضع شك، فضلاً عن أن آمال الشعوب العربية في دور بناء يساهم في حل الملفات المقلقة: فلسطين، سوريا وإيران، صارت محبطة، ومن هنا على الخليجيين أن يعتمدوا على أنفسهم في تطوير سياسات للدفاع المشترك لامتلاك القدرة على الردع والسعي لامتلاك التقنية النووية في حال امتلاك إيران لها. أميركا اليوم مشغولة بترتيب أوضاعها الداخلية والأزمة الاقتصادية ضاغطة على إدارة أوباما، وهي تسعى بكل جهد للتخفيف من الاعتماد على نفط الخليج، وأولويتها الاستراتيجية متجهة إلى الشرق الأقصى والمحيط الهادئ، ومن هنا فهي متلهفة للتقارب مع إيران وإبرام صفقة نووية سريعة ولو على حساب الخليجيين، لذلك فهي تروّج للاعتدال الإيراني الجديد في عهد روحاني وتحاول إقناع المجتمع الدولي بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي الأهداف بحجة أن إيران ملتزمة بفتوى الإمام الخميني بتحريم السلاح النووي لتعارضه مع القيم الإسلامية! ورغم أن مفاوضات إيران مع الدول الست لم تفرز ما يشير إلى استعداد إيران لوقف أو تجميد التخصيب أو فتح منشآتها للتفتيش الدولي أو استعدادها لتسليم اليورانيوم المخصب لديها إلى دولة أخرى، إلا أن الأميركيين بدأوا يتحدثون عن إيجابية إيران ومرونتها وأن أميركا بصدد الإفراج عن الأرصدة الإيرانية لديها، وأنها مستعدة لرفع العقوبات عنها إذا أبدت حسن نواياها، بعد أن كانت تطالبها بخطوات عملية تطمئن المجتمع الدولي بسلمية برنامجها! وبطبيعة الحال فإن الخليجيين، حكاماً وشعوباً، لا يريدون للقيادة الإيرانية وشعبها إلا كل تقدم وتنمية، وهم يعارضون كل عمل حربي ضدها، كما أنهم ليسوا ضد التقارب الأميركي الإيراني، لكنهم يتوجسون من أن يكون ذلك على حساب مصالحهم، كما أنهم قلقون على إيران مثلما هم قلقون على الخليج عامة من برنامج إيران النووي ذي التقنية المتواضعة من حصول تسرّب نووي أو تلوث إشعاعي بفعل زلزال طبيعي أو لخطأ تقني فتحصل الكارثة المدمرة للحياة والأحياء في الخليج. والخليجيون ليسوا سذجاً حتى يصدقوا مزاعم إيران حول سلمية برنامجها النووي، وهم على يقين بأن إيران لن تتخلى عن حلمها القومي التاريخي في امتلاك السلاح النووي، فإيران ما ضحّت بالمليارات وتحملت قسوة العقوبات والعزلة الدولية لتتنازل اليوم عن سلاح يعد الأعظم في قوة الردع! كيف يكون النووي سلاحاً محرماً والنص القرآني يوجب على المسلمين تملكه باعتباره سلاحاً ردعاً لا عدواناً (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). وباكستان الإسلامية تمتلكه، فكيف لا تمتلكه إيران؟ هل وصلت الغفلة بالرئيس الأميركي إلى تصديق الفتوى المحرِّمة للنووي؟ تزعم واشنطن أن عقوباتها أجبرت إيران على تقديم تنازلات، وهذا غير صحيح، فإيران مستعدة أن تجوع ولن تتخلى عن النووي الذي أصبح عقيدة قومية لدى الإيرانيين جميعاً: معتدلين ومحافظين! أتصور أن الأزمة الاقتصادية الأميركية هي العامل الضاغط على إدارة أوباما لتقديم تنازلات تمهد لصفقة سياسية تفتح أسواق إيران أمام الشركات الأميركية قبل غيرها! ملالي إيران سيكملون مسيرة الشاه في بناء قوة نووية رغم أنف العالم، وإيران تقترب كل يوم من امتلاك السلاح النووي رغم المخادعة التي أريد بها «التقيّة». وإذا كانت كوريا الشمالية تحملت وضحّت وجاعت في سبيل النووي، فكيف بإيران ذات الموارد الضخمة؟ الخليج على يقين بأن إيران لن تستخدم النووي ضد أحد، لكن إذا كانت إيران اليوم بهذا الاستكبار بلا نووي فكيف ستكون بامتلاكه؟ القلق الخليجي مشروع، والجارة المسلمة على الضفة الأخرى لم تقدم حتى الآن ما يدل على سلمية برنامجها النووي غير تصريحات مرسلة لا تغني ولا تفيد. تريد إيران من العالم أن يصدقها دون أن تفتح منشآتها أو تقدم ضمانات بشفافية أنشطتها النووية، وإذا كانت حليفتنا الكبرى قد صدقت سلمية النووي الإيراني لأهداف ومصالح معينة، فهذا شأنها، لكن الخليجيين لن يصدقوا تلك المزاعم! وفي هذا السياق نحيي الرفض السعودي لعضوية مجلس الأمن كما نحيي امتناع وزير خارجيتها التحدث على منصة الجمعية العامة من قبل، إنه رفض وامتناع في محلهما، رفض للمعايير الدولية المزدوجة في الشأنين الفلسطيني والسوري، ورفض للاستهلاك الأميركي في الشأن الخليجي.