يبدو أن هناك مشكلة نفسية واجتماعية متجذرة في الشعوب العربية بخصوص علاقتها ونظرتها إلى الوظيفة. فالسلوك العام للمواطن العربي تجاه بيئة العمل أو المدرسة تحتاج إلى دراسات لتحليل الشخصية العربية وفلسفتها في التعاطي مع هذين المكونين المهمين في حياة الناس. وبين فترة وأخرى تؤكد دراسات الموارد البشرية والأبحاث الخاصة بالإنتاجية والممارسات الاقتصادية أن الشعوب العربية تحتل موقعاً متأخراً في قائمة الإنتاجية في العمل، وآخرها دراسة أجراها الاتحاد العربي للتنمية الإدارية كشفت أن الموظف العربي لا يزيد متوسط إنتاجيته في اليوم عن 18 دقيقة من إجمالي ساعات العمل. فيما يبلغ متوسط ساعات العمل للموظف الياباني أو الألماني 7 ساعات يومياً. ومن مظاهر وجود خلل في علاقة الموظف العربي بالعمل، أو الطالب بالمدرسة أو الجامعة هو الانطباع السلبي الأقرب إلى العدائية الذي يكنه كثيرون تجاه الوظيفة أو المدرسة.. فعندما تسأل الطالب العربي: هل تحب مدرستك؟ يكون جوابه بالنفي في الغالب! وينتقل معه هذا الشعور ليحمله تجاه جامعته ومن ثم نحو عمله. كما أننا شعب يعشق الإجازات وننتظرها بفارغ الصبر، ليس لأننا ننجز كثيراً ونرهق أنفسنا في العمل فنحتاج إلى الراحة، بل على العكس كما تثبت الدراسة الآنفة. والأدهى أن كثيرين منا لا يحسنون استغلال إجازاتهم فيما يعود عليهم وعلى أسرهم بالفائدة المرجوة. وما إن تنتهي الإجازة حتى يسأل الشخص عن موعد الإجازة التالية؟ وإذا وقعت مناسبة وطنية أو دينية في وسط الأسبوع طالبنا بإجازة قبلها وبعدها حتى نحظى بأسبوع كامل من الراحة. هذا عدا عن تفنن البعض في الحصول على أعذار طبية وهمية للغياب و«الفوز» بيوم أو يومين هروباً من العمل! وقبل أيام قضى الطلاب والموظفون إجازة طويلة نسبياً بمناسبة عيد الأضحى المبارك. وما إن انتهت الإجازة وطويت أيام الراحة ولاحت في الأفق أجواء الدراسة والعمل، حتى انتشرت بين بعض الناس رسائل نصية وصور ومقاطع فيديو تأسف على انتهاء الإجازة التي «مرت سريعاً» وتُعبّر عن أسفها للعودة إلى الدراسة أو العمل. صحيح أن معظم هذه الرسائل ينشرها الناس من باب السخرية والطرافة، إلا أنه لا يمكن عزل انتشار هذه الرسائل عن سيكولوجية المواطن العربي في نظرته السلبية تجاه بيئة المدرسة أو الوظيفة. إن هذا النوع من السلوك السلبي مرتبط أساساً بتنشئة المواطن العربي منذ صغره بدءاً من الأسرة التي لا تزرع فيه حب الدراسة وتقدير العمل والوظيفة مروراً بما يكتسبه الشخص من قيم خاطئة من البيئة والمحيط العام التي تغرس في الشخصية العربية هذا التعامل السلبي مع الدراسة والعمل. إن ترديد ونشر الرسائل التي تتأسف وتحزن على الانتهاء من الإجازة وتمقت العمل تؤثر في حال تكرارها على نفسية الإنسان وترسخ النظرة السلبية في عقل الإنسان الباطن. وأخطر ما في الأمر أنه مع مرور الوقت تتحول هذه النظرة السلبية إلى سلوك يترجمه الشخص في نفوره من المدرسة أو العمل ويساهم في تقليل وخفض تحصيله الدراسي أو إنتاجيته الوظيفية. كيف لنا أن ننافس الأمم المتقدمة حضارياً ونبلغ مراحل متطورة من الازدهار وكثير منا لا يقدر العمل حق تقديره، ولا يؤدي وظيفته حق الأداء، ويعتبر العودة إلى العمل مناسبة حزينة تستحق المواساة؟!