«ليس للنساء قط عقول شابة، إنهن يلدن وعمرهن ثلاثة آلاف عام». تقول ذلك الكاتبة البريطانية شيلا فيليني في مسرحيتها «مذاق العسل». والأعمار من عمر الأوطان، ونساء العراق يلدن وعمرهن عمر حضارة سومر، خمسة آلاف عام على الأقل. وفي العيد، اذكروا جمال عراقيات جعلن بلدهن رمزاً للعمران حول الكرة الأرضية، وعراقيات ينظمن مسيرات في مدن العالم لأجل العراق، أو يحملن اسمه إلى قمة جبل كِلِمنجارو بأفريقيا، أو يعمرن مدنَ ومستشفيات بلدهن، أو يكرسن حياتهن في ملاحقة جرائم الحرب التي ارتكبت ضده. «ملكة المنحنى»، عنوان تقرير مصور عن المهندسة المعمارية زهاء حديد احتل خمس صفحات في «الأوبزرفر» اللندنية، وصادف نشره أسبوع الإعلان عن فوز طوكيو بإقامة الأولمبياد 2020 للمقعدين، وعزز تصميم زهاء لملاعب الأولمبياد فوز طوكيو، وأصبح قبل تنفيذه إيقونة المدينة كتاج بلوري يتلألأ فوق خط الأفق. يتسع الملعب ذو السقف المتحرك لثمانين ألف متفرج، ومدرجات المقاعد تدنو أو تبتعد عن الساحة، حسب نوع اللعبة وحجم الجمهور. وقال عنه رئيس لجنة التحكيم: «يحمل رسالة اليابان الدينامية والمستقبلية للعالم، وسيصبح مزار عالم الرياضة لمائة عام قادمة». وخلافاً للفكرة السائدة حول طريق زهاء المفروش بالورود، جاء فوزُها في طوكيو بعد خسارتها مسابقة تصميم بناية البرلمان العراقي، و«الفارق بين الاثنين كالفارق بين الغيم والطين»، حسب المثل الياباني. تعليقات ساخرة في الصحافة على حصول الشركة البريطانية «أسيمبلاج» الفائزة بالتصميم على ربع مليون دولار، وهذه قيمة التصميم فقط، فالكلفة الكلية تُقدّر بمليار دولار، وقد تضاعفها مليارات فساد الحكم في «بلد يفتقر معظم سكانه لخدمات الماء والكهرباء بفضلنا»، حسب تعليق قارئ في صحيفة «ديلي ميل». ويتساءل آخر: «لماذا مليار دولار، البناء سيُفجّر في أي حال، اعملوه من الورق المقوى»، فيما يندب قارئ ثالث: «آه، هذا كل هدف الحرب، إنه يوم تسليم المنتصرين المكافأة». ويبدو البرلمان «منطقة خضراء رقم 2»، فهو ليس بناية بل مدينة مجهزة بمختلف الخدمات بما في ذلك مستشفى خاص بأعضاء البرلمان والحكومة، مقابل ذلك تصميم زهاء الذي يمثل «الطريقة العمرانية» لإعادة بناء مجتمع مهدّم مادياً وروحياً، ويحمل القوة «الأسطورية» لبلاد ما بين النهرين، التي عمّرت أول المدن في العالم منذ الألف الخامسة قبل الميلاد. وتسكن موهبة العمران الموروثة العراقيات. المهندسة المعمارية جاله المخزومي نالت «جائزة التميُّز»، ليس عن إنشاء بنايات، بل عن هندسة الفراغات، والمساحات الخضراء. انجيلا برايدي، رئيسة «المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين»، قالت عنها: «أذهلتني جاله بعملها الذي جعل تصميم الفضاءات المفتوحة مهنة معترفاً بها، إنها حقاً من المعماريات الرائدات في العراق». وقال عنها البروفيسور «باول إيفي»، عميد كلية الهندسة في جامعة كوفنتري التي رعت الجائزة: «جاله معمارية مثيرة للإعجاب، لديها ملف رائع من إنجازات ساهمت بإثراء بيئة البناء في العراق، وأظهرت أعمالها أن المعماريين، وبالأخص المعماريات يستطعن تغيير حياة الناس إلى الأفضل ومن منظور فريد». وفازت أربع معماريات من داخل العراق بمرتبة الشرف، بينهن هورى الطالباني التي «كرّست نفسها للتخطيط والتنمية الحضرية في كركوك». وأيُّ تفاؤل باسل لامرأة تطور عمران مدينة لا يرى العالم منها إلا صور مفخخاتها، ومثلُها بسالة الثلاث الأخريات الفائزات؛ المعمارية هدى محمد علي، وغادة السلق، مدرسة العمارة في جامعة بغداد، وفتوح الزبيدي، مهندسة المرافق الصحية في المستشفيات. وليس كل عراقية زهاء حديد إلا أن عزم كثير منهن حديد. «السير من أجل العراق» حركة دشّنتها فتاة عراقية في خضم يأس بلدها المُدَّمى. نادية الشذر، خريجة العلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد وجامعة لندن، وتعمل منذ سنوات في القطاع المصرفي الدولي في دبي بدولة الإمارات، نظّمت أول «مشي لأجل العراق» في بريطانيا عام 2007. وأصبح المشي لجمع تبرعات للعراقيين المحتاجين حركة عالمية يديرها فريق من ستة عراقيين وعراقيات في مختلف القارات، ويبلغ عدد المدن التي مشى فيها الناس لأجل العراق 11 مدينة، ومجموع التبرعات التي تشرف على جمعها وتوزيعها هيئة رسمية مسجلة في بريطانيا بلغت 150 ألف دولار، وذهبت مواردها إلى العراقيين المعوزين دون تمييز، بما في ذلك ضحايا حرق كنيسة في بغداد عام 2010. وجمع «المشي لأجل العراق» هذا العام في مونتريال بكندا تبرعات للأطفال العراقيين ذوي الاحتياجات الخاصة. وحب العراقيات للعراق مغامرة تكتم الأنفاس. ثلاث فتيات عراقيات قررن تسلق أعلى قمة جبل كِلِمنجارو في أفريقيا الذي يبلغ ارتفاعه نحو ستة آلاف متر. «ذكرى عبد الأحد دنحا»، ولدت في بلدة «برطلا»، قرب الموصل، وغادرت وأسرتها العراق، وهي في السابعة إلى بريطانيا، حيث أكملت دراستها الجامعية في موضوع معلوماتيات الصحة، وتعمل مديرة البرنامج في شركة إدارة «مركز حماد الطبي» في قطر. والشقيقتان لميس وميس القيسي ولدتا في موسكو، وترعرعتا مع أبويهما الأكاديميين المتنقلين عبر بغداد، والقاهرة، والجزائر، ووارسو، واستكهولم، ولندن، وأتمتا دراستيهما الجامعية في لندن، وتعمل كلتاهما حالياً في الخليج؛ لميس «استشاري الصحة والسلامة في مجال النفط والبناء والإعمار» في الدوحة، وميس حصلت على الدكتوراه بالدراسات الإسلامية في جامعة لندن، تتقن اللغات العربية والإنجليزية والسويدية والروسية، وتعمل مساعد أستاذ دراسات الترجمة بالجامعة الأميركية في الشارقة. واذكروا جمال نساء علم عراقيات يقاومن دون دعم حكومي، أوعون أكاديمي أقبح أنواع الموت النازل بالبلد؛ قلوبهن مختبراتهن، وعقولهن أدوات القياس، ويواجهن سطوة القوى العظمى، ومنظمات «الأمم المتحدة». سعاد العزاوي، نائبة رئيس «جامعة المأمون» سابقاً للشؤون العلمية، تملك الشجاعة الغريزية لأم مفجوعة تحتضن وليدها المسخ الذي لا يجرؤ الآخرون على رؤية شكله المفزع. دراستها المنشورة بالإنجليزية ترصد ارتفاع معدلات التشوهات الخلقية للأجنة، والأورام السرطانية، نتيجة استخدام واشنطن ولندن اليورانيوم المنضب في حربي 1991 و2003. وتفند الدراسة بالإحصاءات والمعطيات تقرير وزارة الصحة العراقية، وتبين أن هدفه إنكار الواقع عن طريق إنكار وجود مشكلة أصلا. ومع أن «منظمة الصحة العالمية» أشرفت على إعداده، إلا أنها لم تصادق عليه. استنتاجات مماثلة تضمنتها رسالة الأكاديمي العراقي مأمون الأوقاتي إلى وزارة الصحة العراقية و«الصحة العالمية»، حيث ندّد بخلو تقريرهما من أسماء مؤلفيه. وسخر الأوقاتي، الذي ترأس لسبع سنوات قسم الأبحاث والدراسات التقنية في وزارة الصحة بالكويت، من استخدام التقرير كلمة «نوادر» في وصف تقارير سابقة، وتساءل: «ما الظرافة في هذه المسائل الصحية غير المحلولة»، وأورد تفاصيل طبية دقيقة لتقييم القياسات غير الصحيحة، والافتقار إلى المعطيات المتوفرة في المتناول العام.