زادت جرعة الفضائيات التي تبث مواد لا تحترم عقل المشاهد ولا مشاعره ولا قيمَه؛ بسبب الاختلاف السياسي تارة، وبسبب الإثارة الإعلامية تارة أخرى، ولربما بسبب «التشفي» الذي برز بعد الأحداث الأخيرة في العالم العربي. ولقد شاهدتُ – عبر أدوات التواصل الاجتماعي – بثاً لقناة لبنانية يشرح طُرقَ المُعاشرة، مع وجود جمهور من الشباب من الجنسين في الحلقة. ولقد بالغ المذيعان ( مذيع ومذيعة) في شرح تلك الأوضاع وترديد كلمات لم تألفها الأذن العربية على الشاشات، خاصة وأن ما يقارب 65 في المئة من سكان العالم العربي من الشباب، ولا يجوز لهذه الفئة أن تسمع كلمات تخدش الحياء العام وتقاليد الأسرة العربية. إن الفائدة – لو كانت هنالك فائدة تُذكر من بث مثل هذه البرامج – تكون محدودة، ذلك أن الإنسان يتعلم مع التجربة والقراءة الخاصة مثل تلك الأمور، لكن الخسارة كبيرة عندما تغري تلك البرامج المراهقين والمراهقات بالقيام بأدوار لا يناسب سنهم فيقعون في الخطأ! ثم ماذا سيكون موقف الوالدين عندما يسألهما الطفل عن معنى تلك الأوضاع التي تُعرض بالصورة خلال حديث المذيعين؟ الشكل الثاني للفضائيات التي تلوث السماء العربية هي تلك الفضائيات الطائفية والمذهبية، والتي تبث من إيران ولبنان والعراق، والتي يخرج فيها «علماء» دين ومفسرون، يقومون باستخدام كلمات لا تليق بالخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، كونهم ليسوا من طائفة أصحاب تلك الفضائيات. وفي هذا كلام كثير لا نود الخوض فيه، ولكن اختصاراً، فإنه لا فائدة تُرتجى من تلك الفضائيات التي تبث الكراهية ورفض الآخر، بل ورفض الدنيا بكل ما فيها. الشكل الثالث للفضائيات التي تلوث السماء العربية ولا تحترم عقلَ ومشاعرَ وقيمَ الإنسان هو ما بثته إحدى الفضائيات المصرية، وهو برنامج يقدمه رجل قانون معروف في الأوساط المصرية. وكان للاختلافات السياسية في مصر- هذه الأيام – دور كبير في ظهور فضائيات تبث الكثير من التشنج ومَشاهد التوتير، يصل بعضها إلى حد «الإسفاف»، وإليكم ما قاله «رجل القانون» في برنامجه ذات يوم: - الناس صارت تسمع السفالة وقلة الأدب - ياريس مصر.. مين اللي أعّدك معا العيال دول؟ - فين أمك وفين أبوك يا «محجبة»؟ - مش سايبك أنت وزوجتك هأدخلكم السجن بالقانون. وبعد، فهذه عينة «منتقاة» من كلمات وردت في ذلك البرنامج. وأنا أكتب هذه الكلمات وكلي خجل وأعتذر للقارئ الكريم عن نقل هذا، ولكن لا بد لي من التدليل لما أقوله. حالة واضحة من الغليان والكراهية والتشنج السياسي يبثها هذا البرنامج ! ولا أعرف ماهو الهدف من ذلك! هل إثارة الخصوم، أم هي فرصة لإثبات ما لا يجوز إثباته! فلا يجوز أن يتوجه مواطن إلى مواطنهِ بكلمات مثل (الجزمة، السافل، العيال الصيّع ده السافل الصايع العميل)؟ ومن غير الذوق أن يتوجه مذيع إلى مشاهديه – المفترض أنه يحترمهم – بقوله «اللي مش عاجبه يقفل التلفزيون». بصراحة ، يُصاب المرء بالاشمئزاز لهذا التحول والانزلاق وتحويل مقاصد الإعلام النبيلة، واستخدام تكنولوجيا الفضاء هذا الاستخدام العابث، والذي لا يحوى أية رسالة ولا هدف، فقط لتوتير المشاهدين، وتحقير الفريق الذي يختلف معهم مقدم البرنامج! ثم إذا كان مقدم البرنامج- وهو كما يقول عنه نفسه- «رجل قانون» يتحدث بهذه اللغة التي نشمئز من سماعها في المقاهي الرخيصة أو الشوارع الخلفية للمدن المتأزمة، فماذا ترك هذا الرجل لمرتادي تلك الأماكن؟ صحيح تعيش مصر واقعاً سياسياً مرتبكاً! وتبدو بعض الأمور منفلتة – كما هو في الإعلام عموماً – ولكن يجب ألاّ تغيب عن بال هؤلاء «الإعلاميين الجُدد» أن للإعلام لغته، وكرامته، ودلالاته ومقارناته. تماماً كما هو من حق المشاهدين (والمواطنين الذين يتعرض لهم مقدم البرنامج بهذه الصورة المسفّهة التحقيرية)، ألاّ تُجرح كرامتهم ومواطنتهم كبشر، مهما كانت انتماءاتهم أو أفكارهم السياسية. ولقد قامت جهاتٌ إنتاجية مصرية بإنتاج أغانٍ مسيئة لدول وشخصيات عربية قدَّمت كل العون لمصر وقت الشدة! وأظهرت تلك الأغاني كلمات ومشاهد لا تليق لا بالثورات ولا بحضارة مصر ولا بالمصريين الكرماء الطيبيين. هذا نوع من العبث في السماء العربية، وإذا كانت الاختلافات السياسية قد «خنقت» السماء العربية، فلا يجوز أن يزيدها الإعلام اختناقاً ببث مثل هذه المواد التي لا تحترم عقل المُشاهد، ولا تلتزم بمنظومة المبادئ الأساسية لبناء العلاقات بين البشر. كما أن التلفزيون – كوسيلة اتصال – لم يخترعه المخترعون العقلاء كي ينوب عن «الردّاحات» أو «النائحات» في المُلمات، بل تم اختراعه من أجل تطوير حياة الإنسان، والترويح عنه، وجعل المُشاهد على اتصال بما يحدث في العالم من أحداث وقضايا.