على ضوء التراشقات والاتهامات التي تقوم بتوجيهها مكونات الطيف المذهبي العراقي إلى بعضها بعضاً، وعلى خلفية محاولات التصويت لطرح الثقة في رئيس الوزراء الحالي، وهو أيضاً رئيس حزب "الدعوة"، الذي تلوح به بعض القيادات المتنفذة من فترة إلى أخرى، وما يحدث من تفجيرات يذهب ضحيتها عشرات القتلى يومياً، يدخل العراق في منعطف خطير جديد يهدده ككيان متماسك يجمع بين أطياف المجتمع من سُنة وشيعة وأكراد وآشوريين وتركمان وغيرهم. ما يحدث يدل على أن الأطراف التي تعتقد بأنها أقوى من الآخرين على أسس من الزيادة العددية أو الموقع الإقليمي، الذي يحتوي موارد اقتصادية أكثر من غيره، تحاول تحقيق مكاسب سياسية على حساب الآخرين. لكن الوضع السياسي العراقي شديد التعقيد وليس بالبساطة التي يمكن من خلالها لأي طرف تحقيق مكاسب على حساب الأطراف الأخرى، وخلف تفاصيل الوضع العراقي يكمن العجب، فالحكومة القائمة هي ائتلاف يضم العديد من أطراف الطيف العراقي، والكل متفق على أنه لا يمكن تشكيل الحكومة دون وجود مشاركة واسعة من الجميع. وهذه الأطراف تعلم هذه الحقيقة، فلماذا يختار البعض التصادم عن طريق تفجير قضايا سياسية بعينها، خاصة بعد تمام الولايات المتحدة سحب قواتها المقاتلة من العراق منذ مدة ليست بالقصيرة نسبياً؟ عندما تمكنت الكتلة الحاكمة حالياً من إزاحة الكتلة العراقية عن رئاسة الحكومة، أتت إلى السلطة وهي تعلم أن أمامها مجموعة من المشاكل المعقدة والشائكة، لكن اثنتين منها تعدان الأهم والأخطر، لأن تفاقمهما يعني التسبب للعراق في مجموعة من الكوارث المحتملة أقلها وطأة تحويله إلى دويلات طائفية. والمشكلة الأولى هي الخلاف العربي- الكردي حول الحدود. هذا الخلاف يمتد على طول قوس يبدأ عند الحدود العراقية-السورية في غرب العراق وترتفع وتيرته عند الموصل، ثم يمتد جنوباً عبر كركوك إلى أن يصل إلى ديالي عند الحدود مع إيران. هذا الخلاف يتعلق بأمرين هما الأرض والنفط. والمشكلة الثانية هي مشكلة المجموعات المسلحة التي يتركز عدد كبير منها في وسط العراق والمناطق المتداخلة مع الأراضي السورية المضطربة حالياً. ما يستشف من تطورات أوضاع العراق الأخيرة، هو أن تأزيم الوضع العام أدى إلى: أولاً، تفجير وضع الديمقراطية البرلمانية الهشة القائمة ذات الناخبين والأحزاب المشتتة. وثانياً، التسبب في استقطاب حاد بين أطياف مكونات الشعب العراقي الذي يخوض الآن شبه حرب أهلية. وثالثاً، أنه أدخل العراق، وكما يقول رئيس الوزراء نفسه، في ممارسات القتل على الهوية التي ستقود في نهاية المطاف إلى نشوب حرب أهلية شاملة يحاول العراقيون تجنبها منذ الغزو الأميركي. ورابعاً وأخيراً، أن تفجير الوضع السياسي القائم يزيد من قوة ما تقوم به الأطراف الخارجية لجعل سياسات العراق مفتوحة على مصراعيها لمواجهات ساخنة بين جميع أطياف المجتمع العراقي. لذلك فإن على العراقيين التعامل مع الملف الأخير بأقصى درجات الحذر والحكمة والتروي، لأن عدم القيام بذلك وهم متحدون، سيجعل من بلادهم لقمة سائغة للتفكك العام ولسيطرة النفوذ الإيراني على اللعبة السياسية فيه، خاصة لو أن أمور الغزل السياسي الحاصل الآن بين الإدارة الأميركية والرئيس الإيراني الجديد وصلت إلى انفراج الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران. فوفقاً لسيناريو كهذا، قد يدخل الشأن العراقي في اللعبة ويصبح جانباً من المقايضات والتسويات والتنازلات، وعندها سيكون العراقيون هم الخاسر الأكبر، والنادمون على الاقتتال فيما بينهم، وعندها لن ينفعهم ندمهم شيئاً وإن استقوى طرف منهم على الآخرين.