نزلت الكلمة التي ألقاها الرئيس الإيراني في الأمم المتحدة المصحوبة بجولات من المقابلات التي أجراها أثناء إقامته في نيويورك، برداً وسلاماً على العالم القلق. ولو كان هناك «مقياس للتصفيق» لاختبار رد الفعل على الكلمات التي ألقيت في الأمم المتحدة، لأظهر تفوق تأثير كلمات روحاني بكثير على كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث افتقرت كلمات نتنياهو إلى هذا البرد والسلام، لذلك فقد حذّر من أن روحاني خادم مخلص لنظام أخذ على عاتقه أن ينتج أسلحة نووية وهو يقترب من ذلك. بل وصف الرئيس الإيراني رقيق الحاشية بأنه «ذئب في مسوح حمل». وكان الأمر يبدو متنافراً أن يرى المرء نتنياهو مهتاجاً ينتقد روحاني، الملتحي المبتسم الذي يبدو كجد يمثل بلاده ويقدم لها أمام العالم وجهاً أفضل. وبالتأكيد، فبعد سنوات من الاستماع إلى الرئيس السابق نجاد وتخاريفه المعادية للسامية، وبعد سنوات من القلق بشأن الأسلحة النووية والتهديدات بالحرب والوعد بعالم يخلو من إسرائيل، كان العالم مستعداً لاستقبال التغير في لهجة إيران قبولاً حسناً. والسؤال بالطبع ليس: كلمات مَن هي الألطف؟ بل: أيهما حقيقي؟ فهل إيران مستعدة لحسم خلافاتها مع الغرب ومع باقي العالم، أم أن الأمر برمته خديعة ومخطط لكسب وقت حتى يصل البرنامج النووي الإيراني المحظور إلى مرحلة القدرة على تجميع سلاح نووي في وقت قصير للغاية عندما تكون كل العناصر جاهزة إلى حين صدور الأمر لبناء قنبلة؟ عندما يتعلق الأمر بإيران من المهم دوماً تذكر أن الرئيس ليس هو السلطة الأعلى في البلاد. فصانع القرار النهائي هو مرشد الثورة. ولاشك أن لروحاني سجلاً طويلاً كتابع مخلص للمرشد. وقد استطاع خوض سباق الانتخابات الرئاسية والفوز فيه، لا لشيء إلا لأن خامنئي سمح بذلك. وعزز الفوز الكاسح لروحاني في الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي آمالَ التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض لنزاع طهران المستمر منذ فترة طويلة مع الغرب بشأن برنامجها النووي. ويرد على الذهن على الفور سؤالان محوريان عندما يستمع المرء للهجة الجديدة الصادرة عن روحاني، الأول: هو هل مخلص، أم أنه -كما يحذّر نتنياهو- يحاول خداع الغرب؟ فإذا كان مخلصاً، فهذا يثير أسئلة مثل: هل تحركه من أجل المصالحة والمرونة يحظى بدعم خامنئي؟ وهل هذا يعكس قراراً من الزعيم الأعلى لإنهاء الصراع والتخلي عن السعي لامتلاك الأسلحة النووية، من أجل وقف العقوبات الاقتصادية التي شلت الاقتصاد الإيراني المحلي؟ لا نعرف إجابة على أي من السؤالين. لكن خامنئي قال يوم السبت الماضي إنه دعَمَ المبادرة الدبلوماسية لروحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن بعض جوانبها «لم يكن ملائماً». ولم يذكر خامنئي اعتراضاته بالتفصيل، لكنه قال إنه لا يثق بالولايات المتحدة كشريك في التفاوض، مما قد يشير إلى نوع من الرفض لمكالمة هاتفية بين روحاني وأوباما. وحتى الآن أبدت إيران تحولاً جذرياً في الخطاب، لكن شيئاً لم يتغير في البرنامج النووي. فتخصيب اليورانيوم يستمر بسرعة أكبر مما مضى في عدد من المنشآت. ويجري تطوير مفاعل البلوتونيوم في «آراك». ولم تتوقف مساعي تطوير صواريخ طويلة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية. فلا علامة ملموسة على التقدم بجانب حلاوة اللسان. لكن العالم لا يستطيع بسهولة أن يتجاهل يد إيران الممدودة. فعلى كل حال فالهدف من العقوبات هو إقناع إيران بأن تتوقف. وقد يتراجع خامنئي للخلف كي يشاهد ما بقدرة روحاني أن يحرزه. وقد يريد خامنئي-أو هو وروحاني- أن يريا مقدار ما يتعين عليهما التخلي عنه من أجل تخفيف العقوبات. وبالنسبة لمجموعة الست، وتضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، والتي تتفاوض مع إيران، فإن رفع نتنياهو صوته بانتقاد بواعث إيران، يساعد المجموعة. فآلية التحقيق من طرفين مختلفين تجدي نفعاً هنا، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بفعل. ونتنياهو يشعر بأنه مسؤول عن منع هولوكوست آخر. الإسرائيليون ومعظم جيرانهم العرب، قلقون للغاية من احتمال أن تكون إيران تخدع الغرب. ويقلقهم أن تهدئ كلمات روحاني اللطيفة المجتمع الدولي ليركن إلى الدعة ويمر الوقت. لكن إذا اعتزمت إيران حقاً أن تتوقف عن تحدي العالم بشأن القضية النووية، فهي تستطيع أن توقف العمل سريعاً في مفاعلها للبلوتونيوم. وتستطيع أن تسمح بإمكانية دخول كاملة لكل منشآتها أمام المفتشين الدوليين، كما هو من المفترض أن تفعل بحسب ما تمليه التزاماتها بالمعاهدات. وإذا رفضت أن تفعل ذلك، وبسرعة، فسيسقط القناع. المضحك المبكي في الأمر أن لا أحد سيكون أكثر سعادة من الإسرائيليين إذا ثبت أن نتنياهو على خطأ. فظهور إيران مسلحة نووياً سيغير توازن القوى في الشرق الأوسط، إذ عندها ستمثل إيران تهديداً خطيراً للمنطقة والعالم. لكن إسرائيل ستكون الدولة الأكثر عرضة للتهديد والقلق. ولن يشعر أحد بارتياح لإنهاء برنامج الأسلحة النووية الإيراني أكثر من الإسرائيليين. وصدق أو لا تصدق، سيكون نتنياهو من بينهم. فريدة جيتس محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»