في كتاب «10 مليارات»، الصادر مؤخراً، يدق ستيفان إيموت ناقوس الخطر محذراً من الكارثة المقبلة إذا لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً، ومنذراً بمستقبل قاتم يبدو قادماً لا محالة نتيجة ارتفاع عدد سكان الأرض والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية. ولعل الكلمات التي ختم بها المؤلف كتابه، وقد اقتبسها من جواب زميل له على سؤال حول ما سيفعله أمام هذا الوضع الشائك، تلخّص مقدار التشاؤم الذي ينضح به الكتاب: «سأعلِّم ابني كيفية استعمال السلاح». وحسب التقديرات الرسمية للأمم المتحدة، فإن عدد سكان المعمورة تجاوز 7 مليارات نسمة في 2011. وتشير أحدث التوقعات إلى أنه قد يتجاوز 9?55 مليار نسمة في 2050 و10?85 مليار نسمة في 2100، وذلك بناءً على معدل خصوبة متوسط. لكن اللافت أن إيموت يسلم بدون نقاش أن عدد سكان كوكب الأرض سيرتفع إلى 10 مليارات نسمة على الأقل في وقت لاحق مع نهاية هذا القرن، وذلك رغم أن نموذج الخصوبة المنخفضة -والذي حظي بدعاية أممية أقل- يتوقع ارتفاع عدد السكان عام 2050 إلى نحو 8?34 مليار نسمة، قبل أن ينخفض لاحقاً إلى 6?75 مليار نسمة بحلول عام 2100. ويشير القائلون بهذا الرأي إلى أن حجم العائلة المتوسطة في العالم لم يسبق أن كان بهذا الصغر، كما لم يسبق أن انخفض بمثل هذه السرعة، وإلى أنه بات من المقبول بالنسبة لنصف سكان الكوكب اليوم أن يكون لكل امرأة طفلان أو أقل. وفي موضوع الهجرة وحركة الناس عبر العالم، يتوقع إيموت، وهو رئيس قسم علوم الكمبيوتر في مركز الأبحاث التابع لشركة مايركوسوفت في كامبريدج ببريطانيا، أن تصبح الدول الغنية أشبه بالقلاع والحصون، حيث سيجري تشديد المراقبة العسكرية على حدودها للحؤول دون دخول الملايين من البشر «الذين سيكونون دائمي التحرك لأن بلدانهم لم تعد صالحة للعيش، أو لأنها باتت تعاني من نقص في الماء أو الغذاء، أو من الحروب على الموارد التي تزداد ندرة». لكن بالمقابل، يرى منتقدو إيموت عالماً تزداد حدوده انفتاحاً، وتقل فيه إجراءات مراقبة الهجرة أو تختفي، وترحّب فيه البلدان التي تعاني من انخفاض معدلات الخصوبة وتراجع عدد السكان بالوافدين عليها من المناطق الأقل حظاً. أما بخصوص التأثير البيئي لارتفاع عدد سكان الأرض، فيتوقع إيموت أن يزداد كل شيء سوءاً. وفي هذا الصدد، يكتب حول الاحتياجات اللازمة من الطاقة والماء والمواد الضرورية لصنع ونقل وسائل الراحة في الحياة الحديثة. بيد أن الأرقام التي يشير إليها بخصوص استهلاك «المياه الخفية» كبيرة وصاعقة، حيث يخبرنا مثلا بأن إنتاج سندويتش لحم واحد يتطلب 3 آلاف لتر من الماء، بينما يتطلب إنتاج دجاجة 9 آلاف لتر من الماء، ويتطلب إنتاج كيلوجرام واحد من الشوكولاته 27 ألف لتر من الماء. لكن مع ذلك يبدو أن إيموت ليس متشائماً بالقدر الذي قد توحي به كتاباته. ذلك أنه لو كان يعتقد أن الأوان قد فات حقاً، فإنه ما كان ليخصص كل هذا القدر من الوقت والجهد لمحاولة تغيير تصورات الناس وسلوكياتهم. ولعل رسالته في نهاية المطاف تتلخص في أن العلم والتكنولوجيا لا يستطيعان تفادي كارثة عالمية، ولكن التغيير الجذري والعمل السياسي الحقيقي قد يحققان ذلك. والحقيقة أن الوضع سيء بالفعل. ذلك أن الخطوات الرامية إلى معالجة معضلة تغير المناخ مازالت بطيئة وعديمة الفعالية، والتنوع البيولوجي آخذ في التراجع بحدة في بعض مناطق العالم، والموارد المائية تقلصت في العديد من البلدان، والضغوط على الغابات في العالم أخذت تقل في بعض الأماكن، لكنها مازالت قوية في أماكن أخرى، وجودة الهواء سيئة في المدن الكبرى بآسيا. وإن رأى منتقدو إيموت أن المبالغة في وصف خطورة تلك المشكلات لا تحلها، فالحق أن «10 مليارات» كتاب مغرق في التشاؤم والسوداوية، ويمكن تلخيص فكرته الرئيسية في عبارة واحدة: إن الإنسان إنما يسعى إلى حتفه بظلفه. لكن بشكل عام، لابد من الاعتراف أيضاً بأن كتاب إيموت يمثل مساهمة قيّمة في هذا النقاش القديم الجديد، منذ أن طرقه عالم الاقتصاد البريطاني توماس مالتوس أول مرة قبل قرنين من الآن. محمد وقيف الكتاب: 10 مليارات المؤلف: ستيفان إيموت الناشر: فينتيدج تاريخ النشر: 2013