كان الحَدَثان الأبرزان على المستوى المحلي والإقليمي فيما يتعلق بالأزمة السورية الخانقة، مقابلة وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وإعلان ثلاثة عشر فصيلاً إسلامياً بالداخل السوري (بينها ثلاثة فصائل قريبة من الائتلاف والجيش السوري الحر) عن انفصالها عن الخارج بما في ذلك الائتلاف. ويضاف إلى هاتين الواقعتين مقابلة الأسد مع صحيفة الأخبار اللبنانية المعروفة بولائها لـ«حزب الله» والنظام السوري. في المقابلة أعلن الأسد عن ارتياحه الشديد إلى حاضر نظامه ومستقبله بعد «الهزيمة الأميركية» بشأن الضربة، وحماية روسيا الاتحادية وإيران له وقتالهما مع نظامه، وسمّى الأمين العام لـ«حزب الله»: سيدّ الوفاء! زيباري يشكو ظاهراً من الضعف العربي بل الغياب العربي، ومن أنّ الأزمة في سوريا صارت دوليةً تتحكم بمصائرها الدول الكبرى. لكنه لا يصل إلى الاستنتاج بأنّ المطلوب إذن هو التوجُّه إلى روسيا وأميركا مثلا؛ بل إلى إيران، لأن كفّتها راجحة ليس في سوريا فقط بل في العراق أيضاً. وخلفيةُ تصريح زيباري هذا ليس استحثاث العرب مَثَلا على المزيد من الحضور على المسرح الدولي لوقف إراقة الدماء، وإغاثة السوريين النازحين في جهات الأرض الأربع؛ بل «تنبيه» العرب وتنبيه نفسه (وهو من فريق كردي انهزم في الانتخابات الأخيرة بكردستان، ومعروفةٌ علاقةُ فريقه الودية بطهران) إلى أن إيران قادمة ليست ذاهبة، مع سعْي الرئيس الإيراني الجديد إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، واحتمال بقاء الجنرال سليماني متحكماً بالأمور بميليشياته المسلَّحة في العراق وسوريا ولبنان. وتصريح زيباري مُهمٌّ لجهة إدراكه الخاص وإدراك فريقه ضمن الأكراد لعلاقات القوة السائدة. لكنه غير مُهم في مجال إدراك المتغيّرات الحاصلة. بل الأحرى القول إنّ «راحته» البادية تُشبه راحة الأسد بانتصاره الموهوم. فكلا الرجلين غير مُرتاح إلى التطورات الحاصلة في سوريا والعراق ومن حولهما في المشهد الإقليمي والدولي. فلا بقاء للأسد لا قبل الانتصار الكيماوي ولا بعده. أمّا النفوذ الإيراني المستند إلى سليماني وميليشياته؛ فإن التحدي الذي يواجهه ليس عراقياً ولا سورياً، بل هو آت من الداخل الإيراني. ومشكلة زيباري مثل مشكلة الأسد والأمين العام لـ«حزب الله»، والمالكي، تتعلق بتحالفهم وعملهم في سنوات نجاد مع الحرس الثوري وقائده الميداني سليماني في بلادهم. وعند إيران مشكلتان وليس مشكلةً واحدة: الملفّ النووي والحصار الخانق المترتب عليه، ومناطق النفوذ. والمطلوب بإلحاح فكّ الحصار، وتغيير السياسات السليمانية في الإقليم لخفض الإنفاق، وإعادة التواصل مع الدوليين والعرب. وبالطبع فإن روحاني يمكن أن لا ينجح في تحركه الواسع الآفاق ورضا المرشد حتى الآن. فالحرس الثوريُّ يمسك بتلابيب إيران ومناطق نفوذها في شتى المجالات. وكما أعلن روحاني عن إرادته التغيير في رسائله الكثيرة وإشاراته وآخرها خطابه في الأُمم المتحدة؛ فكذلك الحرس الثوري وسليماني أعلنا عن معارضتهما، رغم تحذير المرشد وروحاني لهم من العمل في السياسة! أما سليماني فأعلن عن معارضته لروحاني وتغييراته المتوخّاة بالمقالات التعظيمية الكثيرة في الصحافة الأجنبية لشخصه وأعماله الماجدة في شتّى أنحاء المنطقة، وبينها اغتياله للرئيس رفيق الحريري. وقد سبق له أن قال قبل عام ونصف عندما هدَّد بعض النواب بمحاسبته، إن هذه «الاتهامات» ليست المكافأة التي كان ينتظرها، وهو الذي صنع لإيران عشرة إيرانات على الأقل في العالمين العربي والإسلامي. وكما سبق القول؛ فإن الحرس الثوري وسليماني يمكن أن ينقضا على روحاني، كما سبق أن انقضا على خاتمي وحتى على نجاد عندما اختلف معهم ومع ابن المرشد في السنة الأخيرة من سني رئاسته الطويلة. إنما إنْ حصل ذلك فإن الحصار لن ينفك، والشعب الإيراني لن يهدأ، وسيستمر الاضطراب السياسي والأمني بسوريا والعراق ولبنان. وبذلك فعند سليماني مشكلة كبيرة، واستطراداً فإنّ هذه المشكلة حاضرة أيضاً وربما بشكل أقوى لدى «حزب الله» والمالكي وكل الترتيبات التي أقامها الحرس وسليماني بالداخل الإيراني وبالمنطقة العربية. وهذا لا يعني أن السياسات الجديدة لروحاني (إن وُجدت) في شقها العربي، باعثة على التفاؤل. فقد أشار في خطابه بالأُمم المتحدة إلى إمكان الإسهام في معالجة التأزم بسوريا والبحرين. لكن هذا التأزم كانت إيران وما تزال أحد صُنّاعه، فهل تكون المعالجة بالانسحاب مَثَلا بعد التفاوض وتبادُل الصفقات؟ ثم ما هي طبيعة الصفقة التي قد يخرج بمقتضاها العسكر والأمن الإيرانيين من سوريا والبحرين والعراق ولبنان واليمن؟ سليماني وحلفاؤه من العرب والأكراد والفلسطينيين يعتقدون أن التدخلات المكلفة هذه جعلت إيران تعوم في بحر من العَسل! وبالطبع ليس هذا هو انطباع روحاني ولا الإيرانيين الذين انتخبوه من الدورة الأُولى! لقد تدوَّلت الأزمة في سوريا بالفعل، ومنذ حوالي العامين، ولذا لا يكون الحل إلا دولياً. إنما ورغم كلّ شيء فسيكون فيه رابحون وخاسرون، وقد تربح إيران؛ إنما بالتأكيد فإن سليماني لن يكون بين الرابحين إلا إذا اعتبر أنه يستطيع متابعة القتل والاغتيال فيُرغم بذلك الدوليين والعرب على تنصيبه إمبراطوراً على البلدان التي خضعت لإرهابه، فيستغني بذلك عن العودة إلى طهران المتغيرة بالنسبة له ولزملائه والعاملين تحت إمرته! وماذا عن الفصائل الإسلامية «المجاهدة» بسوريا، والتي أعلنت تمردها على «الجيش الحر» والائتلاف، كأنما كانت خاضعةً لهما من قبل؟! لا يجوز الاستخفاف بالمشكلة هذه والتي صنعها النظام السوري، وصنعها الإيرانيون والأتراك بدرجة أقل. فـ«جبهة النصُرة» التي أعلنت انتماءها لـ«القاعدة» فيما بعد، نصف عناصرها ممن أخرجهم الأسد من السجون إبّان الثورة. وقد قاموا ببعض الأعمال القتالية ذات الدلالة، لكن الاختراقات الواسعة في صفوفهم شلّت فعاليتهم رغم تكاثُر أعدادهم. ولا أدل على الاختراقات في صفوفهم مما حصل في بلدة معلولا المسيحية، والتي أدخلهم نظام الأسد إليها قبل أسابيع، لإلهاء العالم عن فظائع الكيماوي، بفظائعهم المفترضة ضد المسيحيين من أهل البلدة! وقد أضافوا إلى «فضائلهم» أخيراً الاشتباكات مع التنظيم القاعدي الآخر: «دولة العراق والشام»، من أجل الغنائم والبترول في بعض المناطق التي يتبادلون السيطرة عليها. أمّا الميليشيا الشهيرة بـ«دولة العراق»، فقد أتت قيادتها كلها من العراق. وقالوا إن الظواهري هو الذي أرسلهم. والظواهري قابع بإيران، ولا يستطيع تحريك عناصره بدون موافقتها. ولا نعرف له توجيهات غير أمره لهم قبل أربعة أشهر أن يمنعوا وقوع سوريا بيد الولايات المتحدة، وهي نفس مقولة الأسد! فالإيرانيون هم الذين أرسلوا هؤلاء إلى سوريا، وأضافوا إليهم مئات ممن كانوا مسجونين بالعراق بتهمة الانتماء لـ«القاعدة»، تماماً مثلما فعل الأسد مع زملائهم من «جبهة النصُرة»! وإذا كان الأسديون والإيرانيون مسؤولين بهذا المعنى بقصد تخريب ثورة الشعب السوري، فما الذي فعلته تركيا؟ لقد سمحت المخابرات التركية بوعي لآلاف القادمين من الخارج بالدخول إلى سوريا للانضمام إلى هذا الفريق أو ذاك. وكان في ظنهم أنهم بذلك ينتقمون من الأسد، ويحضرون في سوريا مثلما حضرت إيران. فهذان الفصيلان بالذات خطر على سوريا وعلى الثورة وعلى الإسلام. ومعنى كل ذلك أنّ الحرب طويلة، وأن الثورة في خطر شديد من الداخل ومن الخارج. لن ينجح سليماني في البقاء لا في سوريا ولا في إيران، وكذلك الأسد. لكن إسلاميي التنظيمات، بخلفيات وسلوك قُطاع الطرق، لا يشكلون بديلا من أي نوع: فهل تنصلح أحوال الجيش الحر أخيراً؟ لا أدري ولا المنجّم يدري!