فازت (ميركل) للمرة الثالثة كمستشارة لألمانيا، علماً بأنها أول امرأة تحصل على هذا اللقب في تاريخ بلدها. وقد تتساءل: ما السر الخفي الذي يربط بين هذه المرأة الساحرة وبين شعبها الواعي، لتنتزع هذا اللقب بجدارة كل هذه السنوات؟! هل السبب يعود إلى صرامة شخصيتها؟! هل الأمر يتعلّق بحنكتها في إدارة شؤون بلادها الداخلية؟! هل هو دهائها الذي جعلها تحتفظ بمنصبها لثلاث ولايات متتاليات؟! هل السبب يعود لتفانيها من أجل رفاهية شعبها، وإيمانها برسالتها السياسية، أم أن نجاحها مرتبط بكل هذه العوامل مجتمعة؟! ميركل التي عملت نادلة في مستهل شبابها لتُغطّي مصاريف دراستها، يجعل المرء يرفع يده تحية لها. وحقيقة أنا مبهورة بشخصيتها، وأرى بأنها صورة مشابهة للمرأة الحديدية رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر. كلتاهما حفرت اسمها بحروف بارزة في مجتمعها، وقد كتبت من قبل عن هاتين المرأتين لأقول بأن المرأة هي المرأة، لكن مناخ المجتمع العام الذي تحيا فيه، قد يرفعها فوق السحاب وقد يقذفها بالحجارة ويدفعها نحو الهاوية في غمضة عين بلا أدنى شفقة! للأسف في الوقت الذي تحصد فيه المرأة الأوروبية نجاحاتها المبهرة بعد تاريخ طويل من النضال، لم تزل المرأة العربية تمشي الهوينى، تُقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى على استحياء، نتيجة صدامها المتكرر مع زمرة الأعراف التي توارثتها الأجيال على مدى قرون، والإصرار على ترسيخ عبارة "النساء ناقصات عقل ودين.."، التي أخرجها أغلبية رجال الدين من سياقها، والتشكيك في قدراتها الفكرية والذهنية، ليتم تحجيم المرأة العربية والمسلمة وجعلها تابعة للرجل وفرض هيمنته عليها باسم الدين! أثبتت الوقائع الجارية على الأرض اليوم، بأن المرأة قادرة على أن تكون حمامة سلام، وتُساهم في بناء مجتمعها والانخراط بمهارة في العمل السياسي، وقادرة على أن تكون قنابل ملغومة تُفجّر كل من يعترض طريقها. وجميعنا قرأنا عن تورّط عدد من النساء في عمليات انتحاريّة بالعديد من بلدان العالم، والحادثة الأخيرة التي وقعت في مركز (ويست جيت) التجاري بالعاصمة نيروبي، والتي قادتها حركة "الشباب" الصومالية،، تؤكد على أن هناك امرأة بيضاء بريطانية تُدعى (سامنثا لوثويث) متورطة في هذا الهجوم، وأنها أرملة لأحد الانتحاريين الذين قاموا باعتداءات لندن 2005م. قد يكون الثأر للزوج أو الابن أو الإيمان بمعتقدات متطرفة، سبب تورّط النساء مؤخراً في العمليات الإرهابية، فهل الحب والرغبة في الثأر والانتقام لمن فقدن من أقاربهن، هو المحرّك الأساسي لانسياقهن خلف هذا النوع من الحوادث الدمويّة؟! هل بحث المرأة عن مجد مزيّف أو شهرة برّاقة، هو المغزى الرئيسي لهذه الأفعال المشينة مهما كانت النتائج وخيمة؟! هل رواج الفكر المتطرّف الذي رّسخه دعاة دين متطرفين بين شرائح المجتمع، هو الذي أخرج فتيات مغيبات فكريّاً من السهل توريطهن؟! لوحتان متناقضتان. لوحة تُبرز جمال عقل المرأة وتُبيّن ما تملكه من ذكاء متقد وإصرار وعزيمة وهدف نبيل يتمثّل في بناء وطن مستنير، والذي يتجسّد في امرأة كأنجيلا ميركل وغيرها من نساء قويات نجحن في صناعة تاريخ مضيء بأوطانهن، ولوحة قاتمة السواد تُمثّل الجانب المظلم في المرأة، التي قد يدفعها تحجّر فكرها إلى التورط في أفعال إرهابيّة، والانسياق خلف أفكار هدّامة هدفها إشاعة الفوضى في المجتمع، وأمثالها لا حصر لهن! الهبات السياسيّة التي تُقدمها الحكومات لنسائها مقبولة، لكنني ما زلتُ أنتظر بلهفة اللحظة التي ستُحرز فيها المرأة العربية نجاحات سياسية حقيقية على أرض الواقع، بسواعدها الفكرية وثقة مجتمعها بقدراتها. أتمنى أن تتكحّل عينايَّ برؤية هذا اليوم العظيم.