في أول محاولة لتعقب التفاصيل التي أحاطت بالهجوم الذي استهدف البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي بتاريخ 11 سبتمبر 2011، مع كل ما يحمله هذا التاريخ من رمزية، يكشف الخبيران في مكافحة الإرهاب، فريد بورتن وصامويل كاتز في كتابهما «تحت النيران... القصة غير المروية لهجوم بنغازي»، ما جرى ذلك اليوم من وقائع ويعيدان تركيب الأحداث في تسلسلها الزمني بعيداً عن الاعتبارات السياسية التي طغت على النقاشات العامة في واشنطن غداة مقتل السفير كريستوفر ستيفنز. ففي تلك الفترة حاول الجمهوريون رمي أوباما وإدارته بتهمة التقصير في حماية البعثات الدبلوماسية، بينما راح الديمقراطيون يبررون ما جرى. وقد حلّت نقطة الذروة في النقاش السياسي عندما اتُهمت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس بإخفاء الحقيقة بقولها إن الهجوم لم يكن ذا طابع إرهابي. وقبل ذلك يوضح الكتاب الأجواء المحيطة بليبيا عشية الهجوم، فبعد سقوط القذافي إثر تدخل «الناتو» تحولت ليبيا، كما يقول المؤلفان، إلى موطئ قدم رئيس لعناصر «القاعدة»، يجرون فيها عمليات التدريب على أنواع الأسلحة. ومع اختفاء السلطة المركزية باتت بنغازي، ثاني أكبر مدينة ليبية، معقل إجراء الصفقات المشبوهة بين الميليشيات المختلفة والسياسيين الطامعين للسيطرة على السلطة. ورغم مظاهر التسلح الكثيرة في المدينة والفوضى والعنف اللذين ساداها، صممت البعثة الدبلوماسية الأميركية على البقاء، وذلك حتى بعد مغادرة عمال الإغاثة والدبلوماسيين الأجانب، بمن فيهم الإيرانيون الذين حرصوا على التواجد في ليبيا من خلال العمل الإنساني! ولعل اختطاف سبعة من عناصر الصليب الأحمر في بنغازي كان كافياً لإعادة النظر في بقاء البعثة الأميركية، لكن المصالح الاقتصادية والسياسية في ليبيا كانت أقوى من أن تسمح بخروج أميركا من بنغازي، تضاف إلى ذلك أجواء الاحتقان التي عمت مختلف البلدان الإسلامية والمظاهرات الحاشدة التي اجتاحت شوارعها بعد عرض الفيلم المسيء للرسول محمد، إذ كانت هذه الحادثة سبباً في استهداف البعثة الدبلوماسية الأميركية، وحافزاً شجع العناصر المرتبطة بـ«القاعدة» على معاودة الظهور في شوارع بنغازي ليلة 11 سبتمبر 2011. فرغم الإجراءات الأمنية الصارمة التي تتخذ عادة لحماية السفارات الأميركية في الخارج، يقول الكاتبان، فإن بعثة بنغازي كانت مكشوفة أمام الهجوم، فهي أقيمت على عجل بعد سقوط نظام القذافي لمتابعة المصالح الأميركية في المدينة المهمة التي كانت مهد الثورة الليبية. وعن الإجراءات الأمنية الخاصة بالبعثات الدبلوماسية الأميركية، والتي يرصدها الكتاب بنوع من التفصيل، فترجع إلى تقرير عام 1984 الذي أنجزه نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية وقتها «راي إنمان»، بطلب من وزير الخارجية جورج شولتز لتأمين الدبلوماسيين الأميركيين وتوفير الحماية لهم أثناء أدائهم مهامهم عبر العالم. فكانت إحدى إيجابيات التقرير استحداث قوات أمنية تابعة لوزارة الخارجية مكلفة بحماية الدبلوماسيين، وهكذا أنشئ مكتب الأمن الدبلوماسي الذي تولى تدريب قوات خاصة توزع على السفارات الأميركية وترافق السفراء أينما حلوا. لكن هذه الإجراءات لم تُحط بالسفير ستيفنز الذي لاقى مصيراً مأسوياً أعاد طرح موضوع الأمن الدبلوماسي على طاولة النقاش في واشنطن. في تلك الليلة التي سيلقى فيها السفير حتفه، وحسب ما يذكره الكتاب من تفاصيل، تجمع خارج مقر البعثة ببنغازي ما بين 125 و150 من العناصر المتطرفة التي كانت ترتدي لباساً أفغانياً، حيث جاءوا بسيارات رباعية الدفع تحمل شعار «أنصار الشريعة» وأغلقوا الشوارع الفرعية المؤدية إلى مبنى السفارة، بينما انبرى قسم منهم لحشد بعض شبان المنطقة ودفعهم للهتاف ضد أميركا. في هذه الأثناء لاحظ الحرس داخل السفارة، عبر الكاميرات المثبتة على الأبواب، تقدم رجال مسلحين بدأوا على الفور في إطلاق النار من البنادق الآلية ورمي القنابل على السفارة. في هذه اللحظات حاول مساعدو السفير ربط الاتصال بمقر السفارة في طرابلس لطلب تعزيزات أمنية، لكن فيما كانت الاستعدادات جارية في واشنطن للتدخل، جاء خبر مقتل السفير وأحد مرافقيه. لقد حاول الأهالي إنقاذ السفير، حيث اقتحموا السفارة بعد فرار المتطرفين وتدخل قوات الأمن الليبية، وسارعوا لإنقاذ السفير الذي كان ما زال حياً عبر نقله في سيارة خاصة إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة في غرفة الإنعاش، لتبدأ معركة أخرى في واشنطن لا علاقة لها بالأحداث، اللهم إلا تلك الرغبة المحمومة لاستغلالها سياسياً. زهير الكساب الكتاب: تحت النيران... القصة غير المروية لهجوم بنغازي المؤلفان: فريد بورتن وصامويل كاتز الناشر: مارتن بريس تاريخ النشر: 2013