عيلنا أن نكون مستعدين لرؤية الأهمية الدبلوماسية التي باتت تستشعرها روسيا اليوم في أجزاء أخرى من المنطقة، فقد أشار بوتين في الثالث عشر من شهر سبتمبر الجاري إلى أنه يبحث إمكانية بيع مفاعل نووي لإيران، علماً بأن روسيا هي من بنى المفاعل النووي الإيراني في بوشهر. وجاء تصريح بوتين هذا أثناء مشاركته في قمة منظمة شنجهاي للتعاون في قيرغزستان. روحاني، الذي كان الفائز غير المتوقع بالانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو الماضي، يشتهر بكونه سياسياً معتدلا؛ وقد كان من الجيد رؤية أنه عين حكومة براجماتية من أجل دعمه. لكن نظراً لما يبدو انبهاراً من جانبه بالمبادرة الروسية بخصوص أسلحة سوريا الكيماوية، والتي ظلت دمشق تنكرها حتى الأمس القريب، فقد طلب من بوتين مساعدته على التخفيف من العقوبات الغربية المفروضة على بلاده. وفي هذا الإطار، كتب الرئيس الإيراني إلى نظيره الروسي يقول: «في ما يخص المشكلة النووية الإيرانية، فإننا نرغب في أن تحل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن في إطار القوانين الدولية. لقد اتخذت روسيا خطوات مهمة بهذا الصدد في الماضي؛ والآن هو الوقت الأنسب لاتخاذ خطوات جديدة من جانبكم». فرد عليه بوتين قائلا: «إن إيران هي جارنا، جارنا الطيب». كما أن هناك تقارير- لا يؤكدها الكريملن– تفيد بأن موسكو تبحث حالياً إمكانية تزويد إيران بصواريخ الدفاع الجوي «إس 300» الجديدة والمتطورة جداً. وإذا تبين أن هذه التقارير دقيقة، فإن هذه الصواريخ ستثير قلقاً كبيراً في واشنطن بدون شك. وفي هذه الأثناء، ورغم متاعبه ومواقفه المحرجة بخصوص أسلحة سوريا الكيماوية، وجد الرئيس الأميركي الوقت لتبادل رسائل مع روحاني. وفي مقابلة لاحقة مع «إيه بي سي نيوز»، قال أوباما: إن التهديد الأميركي بضربة ضد سوريا– الضربة التي لم تعد الآن خياراً مطروحاً في القريب العاجل– جعل طهران تخلص إلى أنه من الممكن التوصل لاتفاق. وأردف يقول في هذا الصدد: «الشيء الذي ينبغي أن يستخلصوه من هذا الدرس هو أن هناك إمكانية لحل هذه المشاكل بالطرق الدبلوماسية. صحيح أن هذا الرئيس الجديد لن يقوم فجأة بتسهيل الأمور؛ لكني أعتقد أنه إذا كان لديك تهديد بالقوة يتصف بالمصداقية، إضافة إلى جهد دبلوماسي صارم، فإنك تستطيع التوصل لاتفاق». غير أن وزارة الخارجية الأميركية قلقة وتخشى أن يفسد بوتين هذه المسائل الدبلوماسية الدقيقة مع إيران، عبر التلميح للنظام في طهران بأن عليه أن يلجأ إلى روسيا، وليس الولايات المتحدة، من أجل التوصل لاتفاق يحظى بالقبول. وبالطبع، فإن واشنطن تدرك تماماً أن من حق إيران أن يكون لديها برنامج نووي للأغراض السلمية وغير العسكرية، وأنه ينبغي أن يُسمح للمفتشين الدوليين بدخول البلاد للتحقق من هذا البرنامج النووي السلمي. وبالمقابل، فإنه يمكن رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وفي ما يخص سوريا، فإن الأساس المنطقي لامتلاكها لـ1000 طن من الأسلحة الكيماوية في 45 موقعاً، على ما تفترض التقارير الغربية، هو ردع إسرائيل التي تحتل مرتفعات الجولان وثنيها عن القيام بمزيد من الاعتداءات ضد السيادة السورية. غير أن هذا الرادع ليس مبهراً جداً عندما نتذكر أن إسرائيل تمتلك 200 رأس حربية نووية، وأن لديها قدرة «الضربة الثانية» على شكل صواريخ كروز مزودة برؤوس نووية تطلق من على غواصات. وفضلاً عن ذلك، فإن إسرائيل تمتلك أكبر رابع قوة جوية في العالم. وفي الجانب الأوروبي من المحيط الأطلسي، كان من المروع رؤية البيت الأبيض يفقد السيطرة على موضوع أسلحة سوريا الكيماوية، في وقت تشير فيه بعض التقارير الصادرة في إسرائيل إلى تخوف من وقوع أزمة خطيرة ومفاجئة. ذلك أن التغيير المرتبك للمسار الذي قام به أوباما، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتانياهو) الانطباع بأنه لا يمكن النظر إلى أميركا في الوقت الراهن باعتبارها حليفاً يمكن الاعتماد عليه، كما أن «الخطوط الحمراء» التي تُرسم أميركيا ولا يتم الحفاظ عليها لمدة سنة كاملة تثير الخوف لدى تل أبيب. وإذا كانت خطوط سوريا الحمراء قد تم تجاهلها بكل بساطة، فهل ستؤخذ الخطوط الحمراء الإيرانية على نحو أكثر جدية؟ ثم إذا كان جنود «حزب الله» اللبناني قد قاتلوا بشكل جيد وطوال الأشهر الأخيرة، لحساب نظام الأسد، فهل سيتلقون الآن هدية شكر من دمشق على شكل بضعة أطنان من الأسلحة الكيماوية التي يحتمل أن تعبر إلى لبنان قبل أن يكون المجتمع الدولي مستعداً للتعاطي مع مثل هذه المسائل؟ وهل ستقوم روسيا وإيران من جانبهما، وهما الدولتان اللتان تبدوان أكثر تقارباً اليوم، بإطلاق حملة عادلة وحقيقية لنزع الأسلحة المحرمة دولياً في المنطقة، حملة تأخذ في عين الاعتبار برنامج إسرائيل القوي للأسلحة النووية؟ الأرجح أن مثل هذه المبادرة ستحظى، في جانب منها على الأقل، بدعم معتبر في واشنطن. غير أنه بوسع المرء أن يجادل بأنه، وبعد أن أمضى أسبوعاً حاسماً لا في كسب الأصدقاء ولا في التأثير على الناس، فإن أوباما سيخسر الخيارات التي كانت متوافرة لديه بخصوص إيران. ذلك أن الأكيد أن الكونجرس ليس في مزاج لمساعدته؛ حيث سيستمر جمهوريو مجلس الشيوخ، الذين يعتبرون الرئيس ضعيفاً ومرتبكاً على نحو ميؤوس منه، في محاولة إحباط خطواته الدبلوماسية بطريقة أو بأخرى. وفي هذا الأثناء، يبدو الديمقراطيون في الكونجرس منسجمين على نحو متزايد مع الشعور المتزايد بالنزعة الانعزالية في الحياة السياسية الأميركية. ونتيجة لذلك كله، فإن الخيار الخطير للغاية، والمتمثل في اتباع إسرائيل لطريقتها الخاصة بخصوص إيران، بدون الولايات المتحدة، أخذ يعود إلى الواجهة تدريجياً.