في ربيع 1945 كانت ألمانيا النازية في النزع الأخير، وكانت القاذفات الأميركية تضربها وتحيل مدنها إلى ركام. وكان ميناء «كيل» في الشمال ما زال يعمل ببعض طاقته. وفي 25 مارس تحركت منه غواصة فغاصت في لجج بحر الشمال. كانت أكبر غواصة صنعها سلاح البحرية الألماني، ولم يعرف أحد سرها بمن فيهم من كانوا على متنها. كان قائد الغواصة المقدم «فيلر» من خيرة ضباط البحرية الألمانية، لكنه لم يعرف وجهة الغواصة، ولم يعرف شيئاً عن حمولتها، وكان الأعجب وجود شخصين يابانيين غير معروفين، ينامان بجانب الحمولة، هما «هيديو توموناغا» و«غينزو شوجي». لكنهما كانا ضابطين ساميين من سلاح الجو الياباني. كان اسم الغواصة 234، وعلى بعض الصناديق كتب الرقم 235، فظن الألمان المعروفين بالدقة أن هذا خطأ في الكتابة ارتكبه الضباط اليابانيون، لكنه لم يكن كذلك. كان في بطن الغواصة أيضاً جنرال من سلاح الجو النازي هو «إيريك كسلر»، بالإضافة إلى مساعده «شيلكه» الذي حمل أطناناً من الأوراق، وكانت مهمته أن ينتحر ويحرق جميع الوثائق التي معه حال وقوع الغواصة في الأسر. كان الحلفاء منذ منتصف 1943 قد فكوا الشيفرة السرية النازية «إنجيما» (Enigma)، ولما تحركت الغواصة تابعوها باهتمام بالغ، ولم يكونوا يعرفون أي صيد ثمين في جوفها، فبدأوا بضربها، وكان ضابط الارتباط «بفاف» ومساعده «منسل» يتعجبان من دقة معرفة الحلفاء وجهة سير الغواصة، مما اضطرهما للغوص في عمق 900 م، حيث حد الخطر من انهراس الغواصة تحت ضغط المحيط الساحق. كان اليابانيون يتعرضون لضرب مخيف من سلاح الجو الأميركي؛ فبدأوا يلحون على علمائهم في بناء السلاح النووي، الذي كان في الأصل تكنولوجيا ألمانية. ومن أجل الحصول على اليورانيوم 235 الذي هو مادة القنبلة النووية، أرسلوا غواصة خاصة عبرت 48 ألف كم للوصول إلى ألمانيا. وبعد وصولها بأعجوبة قام سفير اليابان في ألمانيا بمقابلة هتلر؛ فأعطى الضوء الأخضر للآلة العسكرية الألمانية بتزويدهم بكل شيء؛ فألمانيا كانت في الرمق الأخير، وعسى أن يؤذي اليابانيون أميركا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولو بعد موت ألمانيا النازية. هكذا حملت تلك الغواصة أشياء مرعبة؛ مثل أول طائرة نفاثة مقاتلة في العالم من نوع «أي أم 262 I.M»، وصواريخ «فاو اثنين V2»، وهي الجيل الثاني من الصواريخ البالستية التي اخترعتها ألمانيا وضربت بها بريطانيا، بالإضافة إلى وثائق لآخر وأحدث التكنولوجيا العسكرية الألمانية. كان هتلر يريد مد اليابان بآخر قطرة علم ودم، علّها تفتك بأميركا وتسبق إلى امتلاك السلاح النووي. كما كان في بطن الغواصة نصف طن من مادة اليورانيوم الجاهز لصناعة قنبلة نووية. لكن سبحان مقدر الأقدار؛ فلو بدأ اليابانيون والألمان مشروعهم قبل أميركا، لكان العالم اليوم ألمانياً يابانياً! فالحرب أبو التاريخ، كما يقول هرقليطس، والعلم أمه. وما حدث أن ألمانيا هُزمت، ووجّه الجنرال «دونيتز» أوامر الاستسلام لكل قطع البحرية الألمانية أينما كانت، بعد أن استسلمت ألمانيا بدون قيد أو شرط. وقعت الغواصة في يد الأميركيين الذين أخذوا اليورانيوم من بطنها لقنبلتهم النووية، فضربوا بها اليابان يومي 6 و9 أغسطس، أما الضابطان «توموناغا» و«شوجي» فلم يكن أمامهما سوى أن ينهيا حياتهما على طريقة الساموراي؛ هرباً من عار الأسر.