فجأة أصبح الحديث عن نزع السلاح الكيماوي من نظام الأسد في سوريا هو الشغل الشاغل للقوى الكبرى صاحبة القول الفصل في الأزمة السورية. ولأول مرة منذ بدء الأزمة تتفق وجهات النظر الأميركية والروسية والأوروبية حول ضرورة تسليم سوريا لمخزونها الاستراتيجي من السلاح الكيماوي، وعلى الآليات التي من شأنها ضمان تنفيذ المشروع، في ظل موافقة سورية غير مشروطة، وسكوت إيراني ينمّ عن الرضا، وتفرج عربي، وغبطة إسرائيلية بالغة! الحديث عن تدمير ترسانة السلاح الكيماوي السوري جاء في إطار تفاهم أميركي روسي لتجنيب النظام في دمشق حملة عسكرية لمعاقبته على استخدام الكيماوي ضد المدنيين في ريف دمشق قبل نحو شهر، وبعد أن أثبت تقرير بعثة مفتشي الأمم المتحدة مسؤولية النظام في استخدام هذا النوع من السلاح الممنوع دولياً. إن الموقف الأخير من الأزمة السورية يدلّ على أن القضية الأساسية بالنسبة للقادة السياسيين الدوليين ليست في استخدام بشار للسلاح الكيماوي، ولكن المشكلة بالنسبة لهم في الأساس هي وجود هذه الترسانة الهائلة من السلاح الاستراتيجي الذي طالما كان يتفاخر به «نظام الممانعة والمقاومة» في دمشق، وأنها ترسانة لدحر العدو الغاشم المغتصب للأرض. ولكن ما يثير السخرية أن هذا السلاح تم إثبات كفاءته وقدرته على الفتك بالمواطنين من بني جلدته، وليس العدو الغاشم المغتصب للأرض! ثم يقرر «الممانعون المقاومون» أن يقدموا هذا المخزون على طبق من ذهب لقوى «الإمبريالية والاستكبار العالمي» لا لشيء إلا لأن يبقى النظام جاثياً على كرسي الحكم، يواصل هوايته الدموية في قتل الشعب بواسطة الأسلحة التقليدية التي لا تثير قلق المجتمع الدولي! ويعتقد أوباما ونظراؤه أن منطقة الشرق الأوسط والعالم برمته سيكونان أكثر أماناً إذا ما تم نزع السلاح الكيماوي السوري، ولكن ملايين السوريين من ضحايا بطش النظام يجزمون اليوم أن هذه النظرة المصلحية للأزمة لا تقوم على أساس أخلاقي إنساني، كون أميركا وأوروبا اتخذتا من معاناة الآلاف، الذين قضوا في مجازر الكيماوي وشاهد العالم فداحة ما وقع عليهم، ذريعة لتحقيق أهداف سياسية تخدم إسرائيل في المقام الأول وليست «فزعة إنسانية» إذا ما صح القول. لم يُرد مدبرو السياسة الدولية للثورة السورية منذ اليوم الأول لاندلاعها أن يكتب لها النجاح، وسعوا بكل السبل لتمديد فترتها لإنهاك الثورة والثوار وعدم تمكينهم من حسم الصراع لصالحهم. وهم يراهنون اليوم على إنهاك الشعب الثائر حتى يقتنع قادة الثورة بحل وسط لوقف الأزمة، يقوم أساساً على حوار غير مشروط بين النظام والمعارضة، ربما يفضي إلى وقف إطلاق نار لكن لا يتضمن رحيل الأسد عن الحكم حسب ما هو مخطط له في قمة «جنيف 2». لقد تأكد للسوريين اليوم زيف دموع التماسيح التي ذرفها السياسيون الغربيون على ضحاياهم من الكيماوي، ولم يعودوا يتعشمون كثيراً من البيت الأبيض ولا «10 داوننج ستريت»، مواقف تنصفهم وتنحاز لإنسانيتهم. وقد أعلنوها منذ اليوم الأول لثورتهم «مالنا غيرك يا الله» شعاراً لهم وسيظلون مستمسكين به حتى يتحقق لهم النصر.