إن قيمة أي مؤتمر علمي تنبع من اعتبارين أساسيين: أولهما، أهمية الموضوع الذي يتصدّى له هذا المؤتمر بالبحث والدراسة والمناقشة ومدى ارتباطه بخدمة أهداف التنمية في المجتمع. وثانيهما، طبيعة الأفكار والتوصيات التي تطرح فيه لدعم عملية اتخاذ القرار. ولا شك أن المؤتمر السنوي الرابع للتعليم الذي نظمه «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» على مدى اليومين الماضيين، برعاية كريمة من قِبل الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد مثّل أهمية كبيرة، سواء لجهة أهمية موضوعه «مستقبل التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة: الابتكار وإنتاج المعرفة»، أو لحيوية وثراء الأفكار التي تضمنتها فعالياته، خاصة أنها خرجت عن مسؤولين وخبراء متخصصين في قضية التعليم داخل الدولة وخارجها. وفي هذا السياق فقد كانت الكلمة الافتتاحية للمؤتمر التي قدمها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بمنزلة «خريطة طريق» معبّرة عن رؤية واضحة وطموحة لتحقيق نهضة تعليمية، أهم ملامحها التركيز على الطالب المعتز بثقافته، والمنفتح على ثقافات الآخر وعلومه، والمقبل على دراسة التكنولوجيا الحديثة، والنظر إليه على أنه أهم محاور العملية التعليمية، وتأكيد التعليم المستمر الذي لا يتوقف مدى الحياة، وتعزيز قيم الابتكار والمبادرة والإبداع، إضافة إلى تكريس ثقافة الجودة والتميز على المستوى التعليمي، وضرورة إصدار وثيقة مجتمعية تتضمن تحديداً واضحاً للدور المتوقع من كل مشارك أو مسؤول في العملية التعليمية، بدءاً من الطالب ومروراً بالمعلم والمدرسة أو الجامعة ومؤسسات المجتمع، وانتهاء بالحكومة والوزارات. ووضع سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، في كلمته أمام المؤتمر، يده على أحد أهم وأبرز جوانب العلاقة بين التعليم والتنمية بمفهومها الشامل عبر إشارته إلى أن الأسس الاقتصادية الجديدة في عالمنا المعاصر أصبحت تعتمد بشكل أساسي على المعرفة والخبرات والكفاءات والمهارات وعلى العلم والتجديد والابتكار فيما يطلق عليه «اقتصاد المعرفة»، وأن المجتمع الذي ينتج المعرفة ويوظفها لخدمة التنمية هو الذي يفرض نفسه على خريطة التنافسية العالمية، مؤكداً أن هذا هو ما تؤمن به دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، ومن ثم تبدي اهتماماً بالغاً بالتعليم وتطويره وتحديثه، بحيث يكون منتجاً للمعرفة ومكرّساً لثقافة البحث والتفكير العلميين. إن أهم ما يميز تجربة التنمية الشاملة في دولة الإمارات أنها تستند إلى التخطيط العلمي والاستشراف المستمر للمستقبل والانفتاح على التجارب التنموية العالمية في إطار الحفاظ على الخصوصية الوطنية، ومن هنا تأتي أهمية الأفكار والتوصيات التي تخرج عن المؤتمرات العلمية التي يقيمها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، وفي مقدمتها مؤتمر التعليم السنوي، حيث يوفر هذا المؤتمر منذ بدايته في عام 2010 حصيلة ثريّة من الرؤى والتصورات التي تحيط بكل جوانب العملية التعليمية في الإمارات. ولعل أهم ما يميز هذا المؤتمر أنه يتفاعل بإيجابية مع مستجدات المنظومة التعليمية في العالم ومن ثم يخدم استراتيجية الدولة التي تتبنى رؤية متطورة ومتجددة باستمرار لقضية التعليم.