تعتبر معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة من أهم قضايا الصحة العامة إلى درجة أنها تعتبر مقياساً أساسياً في تقدير كفاءة وفعالية نظام الرعاية الصحية في أية دولة، وفي تقييم مستويات التنمية البشرية والاقتصادية والصحية التي تم تحقيقها، وهو ما جعل خفض الوفيات بين هذه الفئة العمرية يحتل موقع الهدف الرابع ضمن أهداف الألفية الثمانية للتنمية، ويهدف إلى تحقيق خفض في معدلات الوفيات بمقدار الثلثين خلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 2015. وعلى رغم صدور تقرير دولي نهاية الأسبوع الماضي، بمشاركة كل من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف، والبنك الدولي، وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، يقدر أن عام 2012 قد شهد وفاة حوالي 6,6 مليون طفل -18 ألفا يومياً- دون سن الخامسة، إلا أن هذا الرقم على ضخامته، يعتبر تقريباً نصف عدد الأطفال دون الخامسة الذين لقوا حتفهم عام 1990، والمقدر حينها بأكثر من 12 مليون طفل. وعلى رغم أن هذا الإنجاز الصحي الدولي قد تمكن من إنقاذ حياة الملايين -قرابة الـ6 ملايين طفل- إلا أنه لا زال من الممكن أيضاً تحقيق المزيد، وإنقاذ حياة ملايين آخرين، في ظل حقيقة كون أسباب غالبية تلك الوفيات هي أسباب من الممكن تجنبها والوقاية منها، من خلال تطبيق إجراءات بسيطة، تم بالفعل تفعيل العديد منها في دول كثيرة. وحالياً يقع حوالي نصف الوفيات بين الأطفال في خمس دول فقط هي الهند، ونيجيريا، والصين، وباكستان، وجمهورية الكونجو الديمقراطية. بل يقع ثلث إجمالي تلك الوفيات في الهند ونيجيريا وحدهما، حيث تقع 22 في المئة من وفيات الأطفال دون سن الخامسة في الهند، و 13 في المئة منها في نيجيريا. وعلى صعيد الأسباب، يحتل الالتهاب الرئوي الحاد رأس القائمة، التي تتضمن أيضاً الولادة المبكرة، والاختناق أثناء الولادة، وأمراض الإسهال، والملاريا، ويرتبط كذلك سوء التغذية -بشكل مباشر أو غير مباشر- بـ45 في المئة من حالات الوفيات بين الأطفال. السبب الأول، أي الالتهاب الرئوي الحاد، يصيب أنسجة الرئتين المسؤولة عن التنفس، أو الحويصلات الهوائية، فتمتلئ بالصديد والسوائل، مما يعيق عملية التنفس. وتوجد أسباب عديدة للإصابة بالالتهاب الرئوي، وإن كان أخطرها هو النوع الناتج عن حدوث عدوى بأحد أنواع الجراثيم مثل البكتيريا، أو الفيروسات، أو الفطريات. وتظهر الإحصائيات أن الالتهاب الرئوي الحاد يصيب حوالي 150 مليون طفل سنوياً، الغالبية العظمى منهم في الدول الفقيرة والنامية، متسبباً في 1,3 مليون وفاة سنوياً، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، وخصوصاً بين حديثي الولادة، حيث يعتبر الالتهاب الرئوي هو سبب الوفاة بين كل ثلاث حالات وفاة في هذه الفئة العمرية. وتعتبر أيضاً الولادة المبكرة من الأسباب الرئيسية للوفيات بين الأطفال حديثي الولادة، حيث تتسبب في أكثر من مليون وفاة سنوياً. على رغم أنه من الممكن تجنب 75 في المئة من هذه الوفيات، بالاعتماد على وسائل وإجراءات بسيطة، وغير مكلفة مالياً. وتعرّف الولادة المبكرة على أنها حالات الولادة التي تتم قبل إتمام سبعة وثلاثين أسبوعاً من الحمل، على أساس أن الحمل الطبيعي يستمر فترة أربعين أسبوعاً. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون تنتشر حالات الولادة المبكرة بشكل كبير، ففي الولايات المتحدة مثلًا يولد أكثر من نصف مليون طفل سنوياً بشكل مبكر. وتكمن مشكلة الولادة المبكرة في أنه كلما قصرت فترة الحمل، كلما زادت مخاطر تعرض المولود للعديد من المشاكل الصحية الخطيرة، مثل الشلل المخي، وأمراض الرئتين المزمنة، ومشاكل الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى التخلف العقلي، وفقدان السمع والبصر. أما على صعيد الإسهال فتتعدد وتتنوع أسباب الإصابة بشكل كبير، وإن كانت العدوى بالجراثيم تعتبر أهم هذه الأسباب، حيث تمثل نصيب الأسد خلف حالات الإسهال. وضمن هذه المجموعة، التي تعرف بالإسهال الناتج عن العدوى، تتنوع وتتعدد أيضاً أنواع الجراثيم والميكروبات بشكل كبير، وإن كان بين أهم أسباب الإسهال الناتج عن العدوى، تتسم الفيروسات بخطورة خاصة، وبالتحديد مجموعة «الروتا- فيرس»، حيث تتسبب هذه الفيروسات وحدها في ملايين الحالات من النزلات المعوية، التي تنتج عنها وفاة نصف مليون طفل كل عام، من بين 1,5 مليون طفل تقتلهم سنوياً أمراض الإسهال بأنواعها المختلفة. وعلى ما يبدو أنه على رغم أن المعدل العالمي السنوي لخفض الوفيات بين من هم دون سن الخامسة، قد تسارع من 1,2 في المئة في الفترة الممتدة من 1990 إلى 1995، ليصل إلى 3,9 في المئة في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2012، إلا أنه حتى في ظل معدل خفض الوفيات الحالي والمرتفع نسبياً، لن يتمكن المجتمع الدولي من تحقيق الهدف الرابع من أهداف الألفية للتنمية، الرامي لخفض معدلات الوفيات بين الأطفال دون الخامسة بمقدار الثلثين بحلول 2015، مقارنة بمعدلاتها عام 1990.