الأحداث المتسارعة في سوريا تجعل من الصعب على المراقب السياسي إعطاء تصور واضح لكيفية التعامل معها. فمنذ زلة لسان وزير الخارجية الأميركي حول ضرورة تسليم سوريا لمخزونها الكيميائي، وبدء وزير الخارجية الروسي بالمبادرة والتفاوض مع دمشق على تسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية، بدأت عجلة الأحداث تبتعد عن احتمالات اللجوء إلى القوة. فالرئيس أوباما طلب من الكونجرس تأجيل تصويته بمنحه الصلاحية لضرب سوريا، وآخر تصريحات الرئيس الأميركي هي أمله في أن يتوصل كيري ولافاروف إلى نتائج إيجابية في مفاوضاتهم في جنيف. سوريا من جانبها أعلنت أن الأسد لا ينوي تسليم مخزونه من الكيمياوي إلا بعد شهر من انضمامه لمعاهدة حظر السلاح. وقد تقدمت سوريا رسمياً للانضمام لمنظمة حظر الأسلحة الجرثومية والكيميائية. تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي لديهم نفس الموقف تجاه سوريا، فتركيا أعلنت أن المقترح الروسي مجرد محاولة من الأسد لكسب الوقت. ودول مجلس التعاون أعلنت في جدّة أن الأزمة لا تتعلق فقط بالسلاح الكيمياوي، مشيرة إلى قلقها من محاولات التسويف والتعطيل التي ينتهجها النظام السوري، ومطالبة بوقف نزيف الدم والقتل والتشرد والتهجير. دول الخليج العربية التي راهنت على الموقف الغربي لدعم الشعب السوري وثورته، وجدت نفسها اليوم في موقف صعب؛ فالتردد الغربي في ضرب النظام السوري أعطى دمشق فرصة للاستمرار في نهج القتل والدمار بالأسلحة التقليدية والطيران دون أن يمد الغرب يده لمساعدة الثوار بالأسلحة المطلوبة لمواجهة النظام. ومشكلة دول الخليج اليوم هي وجود أكثر من مليوني مهاجر سوري في دول جوار سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، خصوصاً وأن فصل الشتاء قادم... أما المشكلة الأخرى فهي كيفية التعامل مع الجهاديين الإسلاميين الذين تدفقوا على سوريا. لقد انخرط بعض الشباب الخليجي في العمل الجهادي في سوريا منذ بدء الحرب الأهلية؛ فالعنف الشديد الذي استخدمه النظام في قمع المظاهرات السلمية أدى إلى اندفاع الشباب السوري لمواجهة النظام، وكلما زادت وتيرة الخطاب الطائفي وتحولت المطالب السابقة، وهي مطالب مشروعة تتمحور حول الإصلاح الديمقراطي، إلى مطالب إسلامية دينية بإقامة دولة الخلافة، مما يقوض مطالب «الجيش الحر» والشعب السوري، الداعية لتحقيق الكرامة والحرية في دولة ديمقراطية حرة. دول الخليج ودول التحالف الغربي تريد التغيير السلمي حتى لا يعطوا الفرصة للشباب الجهادي بقيادة «النصرة» و«القاعدة»... فرصة الهيمنة على الثورة في سوريا. استمرار الحرب الدموية في سوريا خلق شرخاً في نسيج المجتمعات الخليجية، فقد برزت ظاهرة الدعاة الجدد الذين استولوا على بعض منابر المساجد في كل من الكويت والسعودية وقاموا بجمع التبرعات لأنصارهم في «النصرة» و«القاعدة». وحاولت الدولتان وضع قيود على خطباء المساجد، وتم منع بعضهم من الخطابة، وفرضت الكويت تسجيل كل خطب المساجد وهددت بطرد وإبعاد كل مخالف من الخطبة. وأخيراً، استمرار الحرب في سوريا ليس في صالح الأنظمة الخليجية والعربية المعتدلة، والحلول الأمنية في التعامل مع شبابنا لن يفيد، الحل يكمن في تغيير ثقافة المجتمع بعزل الدين عن السياسة.