لن نكون منصفين لو قلنا إن هناك فصيلاً في المنطقة نادى ولازال ينادي بالقضاء على الكيان الصهيوني أكثر من تنظيم الإخوان المتأسلمين، فقد ظلّ التنظيم منذ بدايات مولده يحافظ على رفع شعارات فناء إسرائيل، ويحثّ كافة منتسبيه للعمل على تحقيق هذا الشعار الذي ظلّ يحافظ عليه رغم تنصله وتخليه عن العديد من الشعارات البرّاقة التي داوم على أن يحقن بها أمكنة تواجده المختلفة في عهوده السرّية والعلنية، غير أننا لو تتبعنا مسيرة التنظيم الإخواني المتأسلم للاحظنا أن إسرائيل التي أفنى عمره في محاربتها علنا، هي ليست إسرائيل التي كانت سفارتها غير بعيدة من نقطة اعتصامه الشهير في ميدان رابعة العدوية بقاهرة المعز، والتي راح ضحية شعارات فنائها العديد من أرواح قوات الجيش والشرطة، ومعهم من ألبست عليهم ضبابية فكرها ممن غررت بهم من المصريين الأبرياء، ولا هي تلك التي وقّع معها السادات اتفاقية كامب ديفيد، وحجّ إليها كبار قادة التنظيم الإخواني في السرّ والعلن قبل وبعد اعتلائهم الحكم في بعض البلدان ومنها مصر التي وفّروا من خلالها تأميناً نسبياً من الاستقرار في نواحي سيناء، وألجموا الصواريخ الفلسطينية عنها، ولا هي تلك التي تقوم بالتضييق على الشعب الفلسطيني الشقيق في القدس وعموم أرض فلسطين، بعدما غدت الملاك الذي يجهد نفسه في البحث عن حل مع شقّي التمثيل الفلسطيني (فتح وحماس)، وهي أيضاً ليست ذلك الذي ارتكب مختلف المجازر كصبرا وشاتيلا وغيرها، بل هو الساعي للسلام، والمحاول قدر استطاعته أن يجعل المسجد الأقصى للجميع دون تمييز، حتى لو كانت البدايات حرمان قطاع كبير من المصلين المسلمين من دخوله حتى يتسنّى للآخرين إيجاد مساحة لهم فيه كنظام الكوتات... لكن العدو الإسرائيلي الحقيقي في فهم التنظيم الإخواني المتأسلم هو ذلك التفكير الذي يسكن في الانطباع الذهني لمختلف أجيال المنطقة العربية والإسلامية، والذي تشرّبوا كرهه منذ نعومة أظافرهم. إنه كيان موجود في صدور أبناء المنطقة وعقولهم، لا على أرض الواقع، ولابد من إهلاك هذا الكيان الموجود في تلك النفوس بعملية جراحية تُعنى باستئصال الورم عن الجسم، حيث يتحمل الجسم الذي يحمل الورم، كل آلام المشارط الطبية، ووخز إبر الخياطة، وغيرها من مقتضيات الاستئصال، والورم لا تطاله المشارط وغيرها من وسائل الألم، ولكنه يجد كل الرعاية والاهتمام حيث يتم حمله مدللا، ووضعه على قوارير تمتلئ بمواد تحفظه في مختلف العوامل، وتعني به بعد الاستئصال، وهو ما يفسّر حصر نشاط التنظيم الإخواني المتأسلم في المناطق التي تقطنها الشعوب التي تحمل سرطان الكره البغيض لتلك (الأقلية المطحونة) التي لاقت ما لاقت من مصاعب جعلتها تحتمي بهذه المنطقة المضيافة من فلسطين. وبهذه الفلسفة مضى التنظيم الإخواني تقتيلاً وتفجيراً وتنكيلاً في مختلف الدول الإسلامية لاستئصال هذا الكيان المكروه من صدور أبناء الأمة، وأنفق الكثير من الوقت والأموال والأسلحة من لدن مؤسسه المدعو حسن البنّا ليبيد بها هذا الكيان السرطاني الجاثم داخل تلك الصدور، وهو ما برر الكثير من فتاوى علماء التنظيم الذين أجازوا بطريقة أو بأخرى عدم الحرج في التقاء مسلمين بسيفيهما طالما أن الغرض من ذلك الالتقاء الدامي المميت، جاء بنيّة قتل الكيان الصهيوني في صدر الآخر، والله يُحاسب على النوايا، وبموجب تلك الفتاوى المتعاقبة التي ارتدت أكثر من ثوب، وبانت في أكثر من هيئة، تمت استباحة أرواح الأبرياء في مصر بتفجيرات متتالية في مختلف حقب «الإخوان»، كما تم قتل أعداد هائلة من المسلمين في الكثير من دول العالمين العربي والإسلامي، وأيضاً قام «الإخوان» بتنفيذ مخطط كرنفال ما أسموه «الربيع العربي» الذي لازالت الشعوب تعاني آثاره التي ستمتد دون شك إلى سنوات طويلة تشغل هذه الشعوب عن ذلك العدو الذي تراهن الجماعة الإخوانية المتأسلمة، ومن وراءها، على موته تدريجياً في الصدور. فما تسبب به التنظيم الإخواني الأصل، وفروعه من الحركات الجهادية المتشددة، أفلح بالفعل في تخفيف نبرة العداء التي كانت تمثّل شحنات طاغية لدى الأجيال السابقة، وحاول نزعها عن الأجيال الحالية بربيع جرّ إلى المنطقة مشكلات شغلتها بنفسها، وستواصل شغلها بإعادة ما دمرته بأيديها، والعودة إلى نقطة التدمير الذي كانت عليه بداية رغبة التغيير على الأقل، فسوريا على سبيل المثال تحتاج أكثر من ربع قرن لتعود إلى الحالة التي قامت الثورة تمرداً عليها وضيقاً بها، ناهيك عن الوصول للأفضل، وليبيا تحتاج لوقت لا يقل عن هذا الوقت، وينطبق الأمر على أفغانستان والعراق واليمن والسودان، والكثير من دول المنطقة. الكيان الإسرائيلي يدرك تماماً حجمه ومكانته في فكر الإخوان المتأسلمين، لذلك ساهم بقوة في مساعدتهم على تحدّي العديد من الأنظمة، وجنّد لهم كافة إمكانياته التي تعينهم على هذا الأمر من منظمات تدّعي العمل في مجالات حقوق الإنسان، لصحف كبيرة تثير شعوبها وسياسييها ضد قادة تلك الدول، كما وفّرت لها الأسلحة والأموال والخطط والتخطيط والمخططات، وجعلتها على سبيل المثال في مصر، وبعد عجزها عن مواجهة الحكومة التي تندفع بوقود إرادة الشعب، تقوم بالاعتداء على سفارة الإمارات في مصر الجديدة، فالإمارات وغيرها من دول العالم العربي والإسلامي، باستثناء الدول الموالية لـ«الإخوان»، أو الممولة لهم، أو الرازحة تحت حكمهم، تبقي هي العدو الأول وليس إسرائيل، وهو ما تفسّره كتاباتهم ورسوماتهم اللاأخلاقية، والمسيئة، التي حاولوا بها تدنيس جدران السفارة مبينين فهمهم الأيديولوجي للكيان الصهيوني، الذي ينادونه بالرحيل، وبأصوات عالية الهتاف، وهم يتظاهرون في دول عربية وإسلامية، فكيف تخاطب شخصاً وتقول له ارحل وأنت موجود بمصر أو ليبيا وسوريا واليمن وتونس والعراق، وهو موجود بتل أبيب، اللهم إلا لو كان مقر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ميدان رابعة، وليس تل أبيب!