لا يوجد على مدى نصف قرن الأخير حدث واحد يكتسي أهمية كبرى للأمن القومي الأميركي مثلما هو الأمر بالنسبة لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي وقعت قبل اثنتي عشرة سنة من الآن. فعندما ترأسنا لجنة 11 سبتمبر التي أنشئت في 2002 وأصدرت تقريرها في 2004، ركّزنا في عملنا على التحقيق في الإخفاقات التي كشفت أمن أميركا وعرضتها للهجمات، وخرجت اللجنة بمجموعة من التوصيات بلغت 41 توصية لتصويب الاختلالات وتمتين أمننا القومي. وبعد تسع سنوات على الحادث أجرينا تقييماً آخر للتحقق مما تم إنجازه طيلة تلك الفترة، لنكتشف أن بلدنا ما زال هشاً في المجمل ولم نصل بعد إلى مرحلة الأمن الذي يجب أن نكون عليه. ومع أن أغلب التوصيات تم تنفيذها بشكل أو بآخر واحتُرم جزء كبير من المقترحات التي تقدمت بها اللجنة، إلا أن هناك توصية مهمة ظلت غائبة ولم يتحقق منها الكثير، وهي تبسيط عملية الإشراف على الأمن الداخلي وتسهيل إجراءات المراقبة والتتبع. فما زال الكونجرس في إحدى تركات مرحلة ما قبل 11 سبتمبر يشرف على عمل وزارة الأمن الداخلي التي ولدت من رحم عدد كبير ومتنافر من اللجان التابعة للكونجرس، والتي تتنافس فيما بينها على الصلاحيات والاختصاصات التشريعية. فبعد استحداثها في عام 2002، ضمن أكثر من 22 وكالة للأمن، ما زالت وزارة الأمن الداخلي تخضع لإشراف أكثر من مئة لجنة ولجنة فرعية تابعة للكونجرس، تتزاحم جميعها لبسط سلطاتها على الوزارة ومراقبة عملها. والحال أن هذا العدد الكبير من اللجان المشرفة فقد يعطل عمل الوزارة ويعقد من عملية الإشراف والمحاسبة. لذا فقد حان الوقت كي يتغير هذا الأمر وتتخلص الوزارة من تعدد الجهات الوصية. وبصفتنا أعضاء في لجنة 11 سبتمبر وخبراء الأمن القومي وكمسؤولين حاليين وسابقين في الكونجرس، نصدر اليوم تقريراً جديداً أعدّه أعضاء من الحزبين، يجادل بأن الشعب الأميركي سيكون أكثر أماناً لو تبنّى الكونجرس مقاربة أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً في الإشراف على عمل وزارة الأمن الداخلي، بحيث يتعين على الكونجرس التعامل مع الوزارة تماماً كما يتعاطى مع الوزارات الأخرى، سواء وزارة العدل أو وزارة الدفاع، وذلك من خلال إيكال مهمة الإشراف والوصاية إلى عدد أقل من اللجان. فالتعقيد الذي يطبع النظام الحالي يقود مباشرة إلى التعطيل، وهو الأمر الذي حذّر منه في شهر أغسطس الماضي روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية وقتها، عندما أوضح أن تعقيد إجراءات المراقبة يعيق عملية «التصدي لإرهاب الإنترنت الذي بات أخطر من الإرهاب العادي». لكن مع ذلك ظلت لجان الكونجرس عالقة في نقاشاتها الممتدة حول ما إذا كان من اختصاص وزارة الأمن الداخلي النظر في الهجمات على الإنترنت أم لا. وفي مثال آخر على تنافس لجان الكونجرس وتداخل عملها في الإشراف على الوزارة، فشلت لجنة الأمن القومي في الكونجرس خلال السنة الماضية في تمرير مشروع قانون في المجلسين بشأن أمن الإنترنت عندما عارضت لجان أخرى القانون. وفي أبريل الماضي تمكن مجلس النواب من تمرير مشروع قانون حول أمن الإنترنت، لكن الأمر ما زال ينتظر تصويت مجلس الشيوخ لأنه منكب على صياغة قانونه الخاص لوجود عدد من اللجان المشرفة على وزارة الأمن القومي داخله. هذا النظام المعقد من الوصاية تنتج عنه ثغرات خطيرة في المراقبة، فعلى سبيل المثال يخضع المسافرون عبر المطارات الأميركية الرئيسية في الرحلات الخارجية إلى مسح تقوم به إدارة أمن النقل التابعة لوزارة الأمن الداخلي، إلا أنه وبسبب نقص الإشراف الفيدرالي، لا يخضع المسافرون لنفس المراقبة في المطارات الصغيرة والمحلية. والأمر نفسه ينطبق على الخطر البيولوجي الذي لم يتم التركيز عليه في عمل الوزارة، لأن جزءاً من لجان الكونجرس المهتمة بوزارة الأمن الداخلي لا علاقة لها بلجان أخرى تنظر في الصحة والخدمات الإنسانية. وأخيراً لابد من الإشارة أيضاً إلى الإهدار الكبير للأموال الذي ينطوي عليه عمل الوزارة، بسبب تعدد الجهات المتدخلة في ذلك العمل، حيث نجد أن موظفي الوزارة قد شاركوا في أكثر من 289 اجتماعاً بطلب من مجلس الشيوخ، بما في ذلك لقاءات مع 28 لجنة، وهو ما يستدعي جهداً كبيراً كلف في عام 2009 وحده عشرة ملايين دولار من أموال دافعي الضرائب. والأمر هنا لا يتعلق بانتقادات ذات طابع حزبي، فحتى عندما كان الجمهوري «توم ريدج» على رأس وزارة الأمن الداخلي، أثار مخاوف مشابهة خلال ولايته، مشيراً على الخصوص إلى تشتت عملية الإشراف والوصاية التي تتقاسمها عدة جهات داخل الكونجرس. كما أن المشرعة الديمقراطية «جانيت نابوليتانو»، والتي ترأست الوزارة، اشتكت من أن موظفيها «يقضون من الوقت في الرد على استفسارات لجان الكونجرس أكثر مما يقضون في عملهم الأصلي المتمثل في حماية الأمن الداخلي». لكن الكونجرس الذي عادةً ما لا يريد التنازل عن اختصاصاته، من غير المرجح أن يقوم بالإصلاحات الضرورية حتى الانتخابات المقبلة، علماً بأنها مهمة وعاجلة، خاصة فيما يتعلق بتحديد فترة دراسة لجان الكونجرس لمقترحات القوانين التي تتقدم بها الوزارة، وعدم تأخيرها، بالإضافة إلى تمتيع الوزارة بسلطة واسعة لممارسة مهامها. ------ توماس كين ولي هاملتون عضوا لجنة 11 سبتمبر 2001 ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»