على مدى الأسبوعين الماضيين انشغل مواطنو كبك (الإقليم ذي الأغلبية بالمتحدثة باللغة الفرنسية)، ومعهم بقية مواطني كندا، بمعارك كلامية فرضتها عليهم بولين موريس رئيسة حكومة الإقليم وزعيمة «حزب كبك» الانفصالي. فقد فوجئ الجميع بتسريب خبر يقول إن حكومة بولين -وهي حكومة أقلية- ستعرض على البرلمان «ميثاق القيم الكبكية»، والذي يشمل مواد، منها فقرة تحظر على الموظفين ارتداء الملابس أو الرموز أو الشعارات الدنية أثناء تأديتهم الخدمة في المؤسسات الحكومية أو المؤسسات التي تساهم الحكومة في تمويلها. بمعنى أنه إذا أجازت الجمعية الوطنية الميثاق المقترح، فإن الأطباء والقضاة والممرضات والممرضين والشرطة، وحتى المربيات في رياض الأطفال، وأي موظف عام في موقع السلطة الإدارية، ممنوع من ارتداء أو وضع شارته الدينية في محل عمله الرسمي. وعندما سئلت رئيسة الحكومة عن أية «سلطة» تتمتع بها الممرضات ومربيات الأطفال عندما يضعن أو يرتدين شعاراً يكشف هويتهن الدينية وأثر ذلك على المرضى والأطفال، أجابت: بالطبع فإن امرأة عاملة في روضة وترتدي الحجاب فإن ذلك «إعلان صريح» عن تمسكها بعقيدتها، ما قد يدفع الأطفال للتدين. في اندفاعها وحماسها لميثاقها، تعدت بولين «الخطوط الحمراء»، وسخرت من التعددية الثقافية التي تمثل للكنديين ركيزة أساسية في الدستور وميثاق التعايش الوطني. ويثار السؤال في كندا حالياً: لماذا اختارت بولين الوقت الحالي بالتحديد لإخراج هذا الميثاق الذي يتوقع أن يحدث «انفجاراً»، ليس في كبك بل في كندا كلها، وربما أوروبا وأميركا أيضاً؟ وتتعدد إجابات السؤال المحير؛ إذ هنالك من يقول إن بولين وحزبها أرادا بهذه المناورة الخطرة مخاطبة الناخبين من أصول فرنسية، والذين تشير استطلاعات الرأي إلى تحولهم عن «حزب كبك» الذين منحوه أصواتهم، قبل أن يظهر فشلا في تحقيق برنامجه الانتخابي.. ومن يقول إنها تتقرب بذلك من حليفها «حزب العمل» اليساري، شديد الحماس للدولة العلمانية. وبالفعل أعلن ذلك الحزب تأييده «ميثاق القيم الكبكية». لكن هذه المناورة الخطرة التي أقدمت عليها بولين أدت إلى نتائج عكسية، فقد وجدت الحكومة الانفصالية نفسها في مواجهة مع قادة الرأي والفكر، ليس من خصومها السياسيين فقط بل من تيار الاستقلالي الوطني وبعض القيادات التاريخية في حزبها من الذين أعلنوا رفضهم أن تفرض الدولة ميثاقاً للقيم يصادر حرية الناس في عقائدهم الدينية ومعاقبتهم بالحرمان من حقهم المشروع في العمل الوظيفي. وفي هذا الأثناء أدلى أحد مؤلفي الميثاق بحديث قال فيه إن أحد أغراض الميثاق أن يكون إجراءً وقائياً في مواجهة موجات الهجرة المستمرة إلى كبك، حيث تأتي أكبر مجموعة من المهاجرين من شمال أفريقيا. وأضاف قائلاً إن كبك خاضت حرباً ضد الكنيسة الكاثوليكية وحدّت من نفوذها على الحكومة، فنجحت في تحييد الدين بالنسبة للكاثوليك والبروتستنات، وليست على استعداد لخوض معركة أخرى مع الأقليات الدينية. وهكذا ينكشف الغطاء شيئاً فشيئاً عن السبب وراء القنبلة التي فجرتها رئيسة حكومة كبك. عندما تعرض الحكومة ميثاقها على الجمعية الوطنية، فهي تعلم مسبقاً أن «الحزب الليبرالي» (المعارضة الرئيسية في الجمعية الوطنية) قد حدد موقفه واستنكر حتى فكرة ميثاق قيم لكبك ورأى فيه خطوة نحو الانفصال. ومع ذلك، ورغم ارتفاع أصوات العنصريين أحياناً، فإن كندا بخير، والدليل أن عمدة كالجري (الكندي العربي) الذي يضرب بنجاحه المثل، قد وجّه دعوة حارة لكل مواطن لا يشعر بالراحة في كبك قائلاً: «إن أبوابنا مفتوحة له بكل ترحاب وتقدير».