الأزمة السورية أخرجت الدول الغربية وعلى رأسها أميركا من بوصلتها، فلم تعد تملك القرار الحاسم تجاه النظام الحاكم في دمشق. والخلاف على «الضرب» أصبح على أشده، فالإجماع الدولي في مجلس الأمن انفرط عقده منذ «الفيتو» الروسي والصيني لصالح سوريا، ولم يلتئم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن حول الوضع المتردي في الميدان الذي ما زال ينزف دماً كيماوياً. فالضربة التي كانت على وشك الوقوع في أي لحظة، أصبحت معلقة في الكونجرس الأميركي والبرلمان البريطاني والفرنسي بعد رفض ألمانيا ابتداء هذا الأمر قبل عرضه على البرلمان. والعرب أيضاً غدوا جزاء من هذه الحيرة الغربية، فعلى مستوى الجامعة العربية ألقت عهدتها على مؤتمر جنيف 2، والمتحمسون للضربة التي قد لا تكون قاضية أقل من القليل، وفي ذلك حيرة مضاعفة لما يجب فعله تجاه نظام لم يترك وسيلة «حربية» إلا وقد استنفدها وبلا ردع من «الخط الأحمر» الخاص بأوباما الذي يريد ظاهراً توجيه «قرصة» وليس ضربة ولو بانفراد، وحتى هذا التفرد ما زال معلقاً بتصويت الكونجرس بعد العودة من البيات الصيفي، في التاسع من سبتمبر 2013. هناك أزمة متفاقمة منذ اللحظة الأولى لاشتعالها، وما زالت الأوضاع تذهب نحو الأسوأ، فأي قرار حاسم لابد أن يأخذ دورته الطبيعية، وقد تكون في العجلة هنا الندامة وليس السلامة كما هو مطلوب. إذا كان الكل يقر بأن النظام السوري ذهب إلى أقصى مدى في استخدام كل ما يملك من الترسانة الحربية التقليدية والكيماوية وبكل قسوة وبلا مراعاة لأي جانب إنساني أو قانوني، فإن الرد إذا كان الهدف منه تحرير الشعب السوري من ربقة هذا النظام يجب ألا يكون أقسى مما ذهب إليه النظام ذاته. فالتروي يجب أن يكون سيد الموقف، والحسم المدروس بدقة هو الذي يعيد البوصلة الضائعة بين العرب والغرب إلى اتجاهها الصحيح، ليس بارتكاب المزيد من القتل، بل بتدبير كل ما يحافظ على أرواح الأبرياء. لماذا لا يتم البحث عن حل مختلف عما حدث في البوسنة والهرسك أو في ليبيا والعراق وغيرها من البقاع الساخنة التي دفعت أثماناً باهظة للتدخلات الخارجية، والتي أصبحت نتائجها كارثية ولو بعد حين. فليكن الحل في سوريا غير الحلول الجاهزة، وفيه مراعاة كل الأطراف المتصارعة داخلياً وإقليمياً أو دولياً، لأنه في النهاية الغرب يبحث عن المصلحة التي ستؤول إليه بعد انفراج أي أزمة كانت له اليد الطولى في الحل المباشر لها. وأولى الأولويات الآن هي إيقاف هذه المجازر المجانية في أسرع وقت من كل طرفي النزاع في سوريا، لأن وقود كل ذلك هو الشعب السوري بكل مكوناته. وأي نظام آخر بديل، عليه مراعاة كل ذلك وعدم الوقوع في قاع الكراهية والانتقام من فلان أو علان، سواء كان مع أو ضد، في فترة الأزمة التي لا يفرق فيها المرء بين الصديق والعدو. ومن بعد ذلك تأتي أولوية الحفاظ على الدولة السورية الموحدة بغض النظر عن الفئة التي ستحكمها بعد الحسم المؤمل، فالتقسيم الطائفي أو الأيديولوجي ليس في صالح أي طرف وإن كان دولياً، فكيف إذا كان محلياً أو إقليمياً. ومن ثم الاتفاق على نظام للحكم يناسب الشعب السوري وحده دون الدخول في متاهات المقارنات التي تبعد الأهداف المرجوة من أي حراك أو تغيير عن مضامينها السليمة وشعاراتها التي يراد تحقيقها بعد وضع الأولويات في أماكنها المناسبة.