على الرغم من أن التعريف العام لأسلحة الدمار الشامل، يشير إلى نوعية من الأسلحة يمكنها أن تقتل وتصيب أعداداً كبيرة من البشر، وأن تتسبب في ضرر فادح للمباني والمنشآت، أو للكيانات الجغرافية مثل الجبال والبحيرات، أو للغلاف الجوي للكوكب، إلا أن مدى ومجال تطبيقات هذا التعريف، قد شهد عدة تطورات عبر العقود والسنين، وبالترافق مع الكثير من الجدل والخلاف، لأسباب سياسية أحياناً، وتقنية فنية أحياناً أخرى. حيث كانت بدايات استخدام هذا المصطلح، تشير إلى استخدام المتفجرات الكيماوية، على نطاق واسع من خلال القصف الجوي، إلا أنه أصبح يشير لاحقاً إلى الأسلحة المعتمدة على مكونات كيماوية، أو بيولوجية، أو نووية، أو إشعاعية. وإذا خصصنا بالحديث هنا الأسلحة الكيماوية من بين الأنواع المختلفة لأسلحة الدمار الشامل، بناء على أنها حديث الساعة ، بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الصراع المسلح في سوريا، فسنجد أنها تعرّف على أنها: الأدوات أو الأجهزة، التي تعتمد على مواد كيماوية، صنعت أو خلقت خصيصاً لإحداث وفيات، أو إصابات بين البشر، وعلى نطاق واسع. ويمكن لهذه الأسلحة أن تستخدم، وأن ينشر محتواها من المواد الكيماوية على مدى كبير، في شكل غاز، أو سائل، أو مادة صلبة، مسببة أذى وضرراً شاملاً، ليس فقط للمستهدفين، وإنما أيضاً لجميع من يحيطون بهم. ومن بين أنواع الأسلحة الكيماوية المختلفة، يعتبر من أخطرها ما يعرف بالمركبات الأحادية، أي التي تعمل لوحدها بشكل مباشر، دون الحاجة لأن تخلط مع مركبات أخرى، مثل المجموعة المعروفة بغازات الأعصاب، والمجموعة (المنفطة)، أي التي تسبب حروقاً كيميائية في الجلد وفي أنسجة الرئتين، ينتج عنها فقاعات ممتلئة بالسوائل، وبثور، وتقرحات. وبناء على مقاطع الفيديو، والصور، التي تدفقت على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت، بعد الهجوم الذي وقع في الساعات المبكرة من 21 أغسطس الماضي على الضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة السورية دمشق، يرجح أن السلاح المستخدم ينتمي إلى مجموعة غازات الأعصاب، وبالتحديد السارين (Sarin). وتعتبر غازات الأعصاب من المركبات الكيميائية المميتة والقاتلة على أعلى المستويات، وبشكل يفوق أخطر السموم القوية الأخرى، مثل سم السيانيد. حيث يمكن لكمية صغيرة جداً من سائل السارين مثلا -أصغر من رأس الدبوس- أن تقتل في أقل من دقيقتين، وإن كانت في غالبية الحالات الموثقة وقعت الوفاة في خلال 15 دقيقة من التعرض للسارين في حالته الغازية. وليس من الضروري استنشاق الغاز حتى تحدث الوفاة، حيث يمكن أن تقع الوفاة أيضاً إذا ما تعرض الجلد للسارين في حالته السائلة. وكان الكيميائيون الألمان هم من اكتشفوا، أو اخترعوا هذا المركب الكيميائي في عقد الثلاثينات من القرن الماضي، إلا أنه لم يستخدم في العمليات القتالية أثناء الحرب العالمية الثانية. وهو سائل شفاف، عديم اللون والرائحة، يتحول سريعاً من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية. وبعد انتهاء الحرب، قامت معظم الدول العظمى بتطوير غازات أعصاب مماثلة في الفعل والتأثير، وخصوصاً البريطانيين. وتشير أصابع الاتهام إلى "السارين"، بأنه المركب الذي استخدمه نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في قتل 5 آلاف كردي حسب بعض التقديرات، في الهجوم على حلبجة في 1988. وفي عام 1995، استخدمت إحدى الجماعات الدينية اليابانية المتطرفة غاز السارين في الهجوم على مترو أنفاق طوكيو، حيث ترك بعض أعضاء الجماعة أكياساً مثقوبة من الغاز في مترو أنفاق العاصمة اليابانية، مما أدى لوفاة 12 شخصاً حينها. ومؤخراً صرح وزير الخارجية الأميركي الحالي، جون كيري، بأن تحليل عينات من شعر ودماء ضحايا هجوم أغسطس على ضواحي دمشق، قد أظهرت علامات تشير إلى استخدام السارين. وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت تصريحات مشابهة سابقاً، تفيد بتوافر أدلة مماثلة في هجمات أخرى خلال الصراع الممتد على قرابة الثلاثة أعوام. ويعتقد، وعلى حسب تصريحات المسؤولين الأميركيين، أن الحكومة السورية قد بدأت في إنتاج السارين منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، بعد أن حولت بعض المصانع المخصصة لإنتاج المبيدات الحشرية إلى إنتاج هذا المركب الكيماوي السام. وتتعدد وتتنوع أعراض وعلامات التعرض لـ"السارين"، مثل سيلان اللعاب، وجريان الأنف، والشعور بالألم وتدمع العينين، واضطراب الرؤية، وصعوبة التنفس، والغثيان، والقيء، والإسهال، والتشنجات العضلية العصبية. وفي الحالات الشديدة، تتبع التشنجات هبوط وتوقف التنفس، ثم الوفاة. ويتطلب التعامل مع الحالات التي تعرضت للسارين، نقل المصاب إلى منطقة آمنة بعيدة عن مصدر الغاز، وإزالة جميع ملابسهم. ومن الضروري غسل العينين بكميات وافرة من الماء، مع تنظيف الجلد والشعر بمسحوق عالي الامتصاص، مثل "بوردة التلك"، أو دقيق القمح، وإذا لم يتوفر ذلك، يمكن استخدام الماء والصابون، مع ضرورة تجنب غسل كامل جسد المصاب، حتى لا يزداد انتشار المركب الكيميائي، ويزداد بالتالي امتصاصه من الجلد. ويوجد ترياق أو مضاد لتأثير "السارين"، وإنْ كان من الضروري حقنه للمريض بشكل فوري وعاجل، لمنع ووقف التأثير القاتل للسارين. د. أكمل عبد الحكيم