ما زالت الأزمة مشتعلة لأن قادة جماعة «الإخوان المسلمين» ما زالوا مصرين على إنكار الواقع والمطالبة بالمستحيل! ويتمثل إنكارهم للواقع في أنهم زعموا أن الموجة الثورية التي اندلعت في 30 يونيو، والتي خرج فيها الملايين لإسقاط حكم «الإخوان» الاستبدادي لم يقم بها سوى بضعة آلاف لا يمثلون غالبية الشعب المصري! وأن الملايين التي خرجت بعد ذلك استجابة لنداء الفريق أول عبدالفتاح السيسي لتفويض القوات المسلحة للقضاء على الإرهاب، ما نزلت للشوارع إلا لتأييد «انقلاب» مزعوم على الشرعية! وقد أدت نزعة إنكار الواقع وتجاهل الموجات الثورية بقادة الجماعة إلى التحريض السافر لأتباعها من الأنصار المغيبين إلى النزول إلى الشوارع، واستخدام العنف لإعلان رفض خريطة الطريق التي أعلنها السيسي، ووافقت عليها كل القوى السياسية ما عدا جماعة «الإخوان المسلمين»، التي يبدو أن سقوطها المدوي وخسرانها للسلطة المطلقة أصاب قادتها بلوثة سياسية جعلتهم يعلنون الحرب لا على الدولة ومؤسساتها فقط، ولكن على الشعب المصري نفسه! وبدأت الاعتصامات التخريبية في «رابعة العدوية» وميدان «النهضة» التي أرادت منها جماعة «الإخوان المسلمين» إقامة شبه مستوطنات محصنة داخل العاصمة! وليس أدل على ذلك من قيامهم بتفتيش من يدخل ومن يخرج منها، وكأن هذه الميادين أصبحت أقاليم مستقلة يتولون هم إدارتها، وكأن الجماعة أصبحت دولة داخل الدولة! ورفضت الجماعة كل نداءات الدولة والقوى السياسية لفض الاعتصامات بعدما ارتكب فيها من الجرائم ما لا يعد ولا يحصى، وبعد أن تحولت إلى اعتصامات مسلحة. ولم يكن هناك - بناء على إلحاح فئات الشعب المختلفة - من سبيل أمام الدولة سوى فض الاعتصامات بالقوة، وفي حدود الالتزام بالقواعد القانونية. ولم يتوانَ أعضاء الجماعة عن مقاومة فض الاعتصام بالسلاح ويكفي شاهداً على ذلك تحصن فريق مسلح منهم في مبنى كلية «الهندسة» بجامعة القاهرة وإطلاقهم النار على قوات الأمن. ومن المؤسف حقاً أن ينبري عدد من الكتاب والإعلاميين المناصرين لـ«الإخوان» لكي يدافعوا عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها كل يوم جماعة «الإخوان المسلمين»، وأن تعدد عدد من سقط منهم قتلى وجرحى في المواجهات الدامية التي خططوا لها بدون أي ذكر لضحايا قوات الأمن والقوات المسلحة سواء داخل المدن أو في سيناء. وقد راعني حقاً أن أجد كاتباً كبيراً في مجال المقارنة بين جمال عبدالناصر والسيسي يكتب منتقداً الشخصيتين بأن الذي يجمع بينهما هو تعطيل الديمقراطية ومعاداة «الإخوان»! وأريد من باب المناقشة العلمية الهادئة أن أقوم بتفكيك هذه العبارة الصادمة للكشف عن المغالطات التاريخية التي تتضمنها من ناحية، وإنكارها الواقع من ناحية ثانية. هل يمكن حقاً اختزال سيرة جمال عبدالناصر - الذي اعترف الكاتب نفسه بزعامته المصرية والعربية وفي بلاد العالم الثالث - في أنها تتمثل في تعطيل الديمقراطية ومعاداة «الإخوان»؟ إن ثورة يوليو 1952 التي قادها عبدالناصر والتي كانت حقاً في البداية انقلاباً عسكرياً سرعان ما أيدته جموع الشعب المصري لم يقم إلا بعد أن وصل النظام الملكي الحزبي إلى منتهاه. ولذلك اندفع الضباط الأحرار بعد مخالطتهم الوثيقة لكل الأحزاب السياسية المصرية قبل عام 1952 للقيام بالانقلاب، بعد ما تأكد لهم أن مصداقية النظام الحزبي في مصر قد تآكلت، وأن الأحزاب السياسية على اختلافها فشلت في حل كل من المشكلة الوطنية ونعني إجلاء قوات الاحتلال الإنجليزي، والمشكلة الاجتماعية وهي الفجوة الطبقية الكبرى بين الأغنياء والفقراء. وتحول الانقلاب إلى ثورة شعبية، لأن قادته صاغوا وطبقوا مشروعاً شاملاً للعدالة الاجتماعية. وهم إذا كانوا قد أوقفوا الحياة الحزبية واستبدلوها بتنظيمات الثورة فما كان ذلك إلا لتطبيق العدل الاجتماعي بعيداً عن الصراعات الحزبية العقيمة. أما عن المزاعم الخاصة بمعاداة عبدالناصر لـ«الإخوان» فهي تتجاهل بشكل يثير الاستغراب التاريخ الإرهابي الموثق لهذه الجماعة قبل 1952. ألم يقم الجهاز السري للجماعة باغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء؟ ألم يقم نفس هذا الجهاز الإرهابي باغتيال المستشار «الخازندار»؟ وإذا جئنا للفترة التالية لثورة يوليو 1952 ألم تحدث المحاولة الإخوانية الفاشلة لاغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية؟ وبعد ذلك في الستينيات، ألم يقم منظر التطرف الإسلامي سيد قطب بتنظيم حركة حاولت قلب نظام الحكم؟ كيف يمكن تجاهل هذا التاريخ الإرهابي الموثق، والذي صدرت بحكم وقائعه أحكام جنائية معروفة؟ وبعد ذلك يقال بكل خفة وبساطة إن عبدالناصر كان يعادي «الإخوان»؟ وإذا انتقلنا من ناحية أخرى للتهمة التي وجهها الكاتب للفريق أول السيسي والتي ادعى فيها أنها تماثل ما اتهم به عبدالناصر وهي تعطيل الديمقراطية ومعاداة «الإخوان». ولنطرح السؤال الرئيسي من الذي عطل الديمقراطية؟ ألم يقدم على ذلك عامداً متعمداً مرسي الذي بعد مخالفات قانونية ودستورية متعددة أصدر إعلانه الدستوري الشهير الذي نصب فيه نفسه ديكتاتوراً مطلق الصلاحيات، وحصّن قراراته كلها من الطعن عليها، وتعمد تحصين مجلس الشورى الباطل واللجنة التأسيسية لوضع الدستور. إن اللحظة التي أصدر فيها مرسي ذلك الإعلان هي نفس اللحظة التي سقطت فيها شرعيته التي يتحدث عنها «الإخوان» من قبيل اللغو. وهل تعني الشرعية أن رئيساً منتخباً وإن كان بنسبة بالغة الضآلة عن منافسه يعبث في الأرض فساداً باسم الصندوق؟ ويخرق القوانين ويلغي أحكام المحاكم ويقيل النائب العام، وأخيراً يصدر الإعلان الدستوري الديكتاتوري الذي يمنح فيه - ضد الأعراف الدستورية - مجلس الشورى الباطل حق التشريع؟ أي شرعية تتيح لمرسي أن يصدر قراراً رئاسياً بالعفو عن 450 إرهابياً سابقاً ومتهمين بتهم خطيرة مثل القتل والإتجار بالمخدرات؟ والسؤال، لماذا يعادي السيسي «الإخوان المسلمين» كما زعم الكاتب؟ لقد راقب القائد العام للقوات المسلحة عن كثب تلاعب مرسي بحكم موقعه كرئيس للجمهورية باعتبارات الأمن القومي، وتابع بدقة المحاولات الدائبة لجماعة «الإخوان المسلمين» لهدم الدولة وتفكيك المجتمع. ولذلك كان قراره الجسور بالانتصار للإرادة الشعبية التي تمثلت في ثورة 30 يونيو التي خرجت لإسقاط حكم «الإخوان» المستبد الذي سبق لمن يوجه النقد لكل من عبدالناصر والسيسي أن وجه إليه النقد للأخطاء الكارثية التي قاد البلاد إليها، وأخطر من ذلك حين قرر أن مرسي تأخر في الاستماع إلى نبض «الشارع» وتلك هي عبارته بالنص! نحتاج في الواقع سواء كنا من أنصار «الإخوان المسلمين» أو من أعدائهم حين تستشهد بالتاريخ أن نتحلى بالأمانة العلمية في سرد الأحداث، وحين نقرأ الواقع لا نتجاهل عمليات الإرهاب والترويع التي تقوم بها جماعة «الإخوان المسلمين» حتى اليوم ليس ضد الدولة فقط ولكن ضد الشعب المصري! قليلاً من الموضوعية أيها الإخوة حتى نلتقي على حل سواء!