يترقب العالم عودة الكونجرس الأميركي من إجازته الصيفية في التاسع من سبتمبر الجاري للنظر في طلب أوباما بشن هجوم عسكري ضد النظام السوري، بعد تجاوزه «الخطوط الحمراء» واستخدامه مؤخراً السلاح الكيماوي ضد شعبه في ريف دمشق، حيث أثبتت قرائن ودلائل عديدة مسؤولية النظام عن استخدام غاز السارين القاتل ضد المدنيين الأبرياء. التحرك العسكري الأميركي إذا ما وافق عليه الكونجرس لا يهدف إلى إسقاط النظام ولن يكون هناك إنزالٌ لقوات برية، كما جاء في خطاب أوباما السبت الماضي، ولكن الهدف منه هو أولاً معاقبة نظام الأسد لخرقه القوانين الدولية باستخدام الأسلحة الكيماوية، ثانياً ردع أي استخدام محتمل للأسلحة الكيماوية من طرف أنظمة أخرى. إن أوباما في موقف صعب، فقد هدد مراراً نظام الأسد بعمل عسكري إذا ما تجاوز الخطوط الحمراء، وعندما حان وقت تنفيذ تهديده أصبح رهن قرار الكونجرس مع عدم وجود غطاء دولي وقرار من مجلس الأمن بشن هجوم عسكري ضد النظام في سوريا في ظل الموقفين الروسي والصيني ومع نأي بريطانيا بنفسها عن التدخل العسكري برفض مجلس العموم المشاركة في هذا العمل، ما دفع بأوباما إلى الانفراد بقرار العمل العسكري، الذي إن لم يُعطَ التفويض اللازم ستهتز صورته كرئيس لا يفعل ما يقول! إن المواقف الدولية الأخيرة تدل على وجود تردد ومعارضة للتدخل العسكري في سوريا من معظم القوى الكبرى، والهجوم الأميركي الذي ستتحدد حقيقة تنفيذه من عدمها بعد اجتماع الكونجرس للنظر في الأمر الأسبوع المقبل يأتي ليبرر الموقف السياسي الأميركي وتعهداته بمعاقبة أي منتهك لمعاهدات منع انتشار السلاح الكيماوي. وهناك من يعتقد أن التدخل العسكري الأميركي يأتي أساساً للسيطرة على الأوضاع ولحفظ التوازنات وليس نصرةً للمظلوم وفزعة للأبرياء المضطهدين، وخاصة أن العملية العسكرية محدودة ولا تهدف لإسقاط النظام كما كان الحال في العمل ضد نظام القذافي. فلو كان الهدف من التدخل في سوريا هو إسقاط النظام فإن ذلك ممكن من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة بالسلاح الاستراتيجي لمواجهة الجيش النظامي، وأيضاً بفرض منطقة حظر جوي حتى يتمكن الثوار من بسط سيطرتهم على كافة المدن والمواقع الاستراتيجية ومحاصرة النظام في دمشق والقضاء عليه، وهذا ما كانت تطالب به المعارضة منذ بداية الثورة. إلا أن هذا السيناريو غير محبذ من قبل الغربيين وحليفتهم إسرائيل لأنه من غير مصلحتهم ترجيح كفة المعارضة المسلحة على الأرض وتمكينها من الغلبة وتولي مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد. وتشير بعض التقارير إلى أن الهجوم الأميركي لا يمكن أن يستثني معسكرات بعض القوى «الجهادية» المرتبطة بـ«القاعدة» مثل «جبهة النصرة» من أجل تقويض قوتها على الأرض. ويأتي هذا التحرك بهدف إخراج هذه القوى من المشهد السياسي في سوريا ومنعها من إحراز مكاسب على الأرض مثل ما فعلت من قبل الولايات المتحدة إبان غزوها للعراق باستهداف عناصر الإرهاب وجماعة الزرقاوي. والمؤكد أن الهجوم العسكري الأميركي في سوريا لن يكون نهاية المطاف لا بالنسبة للنظام السوري ولا حتى للمعارضة التي لن يتم تمكينها من تحقيق مكاسب كبيرة من العملية العسكرية. فمن المرجح أن تكون الضربات العسكرية بمثابة وسيلة ضغط لإجبار النظام على المشاركة في جولة المفاوضات الجديدة في مؤتمر «جنيف 2» لحل الأزمة السورية سياسياً كأفضل سيناريو تتطلع لتحقيقه الدول العربية والقوى الكبرى. ولكن سيناريوهات التصعيد واحتمال اتساع نطاق الحرب واردة أيضاً لاسيما أن بعض القوى تعتبر الحسم في سوريا سواء مع أو ضد النظام مسألة مصيرية لها.