يبدو أوباما الآن أكثر استعداداً من ذي قبل لتوجيه ضربة عسكرية كرد فعل على الهجوم المفترض لبشار الأسد بالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. إلا أن الهدف من هذه الضربة لن يرتقي إلى مستوى إسقاط حكومة الأسد بالرغم من أن أوباما كان يطمح إلى ذلك قبل أكثر من عامين. وبدلاً من ذلك، قال مسؤولو البيت الأبيض إن الهدف سيكون أكثر حصراً ويتمثل في الردع. وستتركز الضربات بشكل أساسي على منع الأسد من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. ولكن.. هناك أنواع أخرى من الردع والتأديب يأمل أوباما في تحقيقها، فهو يتطلع إلى كبح جماح أعدائه الآخرين وخاصة إيران، وألا يفهموا أنه كان يتحدث عن هراء عندما عمد إلى تحديد «الخط الأحمر» لاستعمال السلاح الكيميائي في سوريا العام الماضي. وأما فيما يتعلق بالشأن الداخلي، فلقد أراد أوباما أن يتصدى للانتقادات المُرّة التي يقودها السيناتور «الجمهوري» جون ماكين، والتي ترمي إلى دفعه لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد الأسد. ثم إن أوباما يأمل بأن يتمكن الجيش من تحقيق ضربة من شأنها أن تردع الأسد عن محاولة الانتقام من القوات الأميركية أو حلفائها في منطقة الشرق الأوسط كلها. ولا يقتصر الأمر على أن أوباما لا يقصد الإطاحة بحكومة الأسد أو تحطيم قواته المسلحة عن طريق عمل عسكري أميركي حاسم، بل إنه لا يعتزم حتى تغيير التوازن القائم على أرض المعركة في سوريا لصالح الثوار. وهذا يعود بدرجة ما إلى أن بعض فصائل الثوار الذين نظموا أنفسهم على النحو الذي يمكنهم من الاستفادة من فراغ السُلطة في هذه المرحلة، قد عمدوا إلى التحالف مع تنظيم «القاعدة» بدلاً من التحالف معنا. وطلب «ماكين» مدعوماً بـ«صقور» آخرين، من أوباما استغلال الفرصة طالما أن معظم دول العالم مقتنعة باستخدام الأسد للأسلحة الكيميائية، والتدخل بشكل أكثر فعالية. ويريد «الصقور» منه أن يساهم في إسقاط الأسد عن طريق الدعم المباشر للثوار بما في ذلك استخدام الطيران لفرض مناطق عازلة. إلا أن من شأن ذلك أن يمثل خطأً كبيراً. ولا شك أن الهجوم بالأسلحة الكيميائية ينطوي على الكثير من الرعب، ولكنه لا يعد سبباً كافياً لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب. وإذا كان الخبراء العسكريون قد أفادوا قبل شهر بأن فرض منطقة عازلة هو فكرة سيئة، فإن هذه الفكرة ما زالت سيئة حتى اليوم. ويحتاج أوباما الآن لإطلاق حوار وطني حول مصالحنا في سوريا، وذلك للتأكد من أن معارضي الحرب الأميركيين قد فهموا الأسباب الكامنة في الحملة العسكرية وبحيث لا يمارسوا الضغوط القوية على البيت الأبيض لو أن المعركة شهدت بعض التصعيد، أو لو كانت الضربات الجوية غير كافية لحسم المعركة. ولقد عمد أوباما إلى استهلال هذا النقاش الأسبوع الماضي من خلال حوار أجرته معه قناة «CNN»، حيث صرح بأن الهجوم بالأسلحة الكيميائية يمسّ «صميم المصالح الوطنية الأميركية» بطريقة لم نعهدها من قبل من خلال الممارسات غير المقبولة للنظام السوري. وقال إن للولايات المتحدة مصلحة قوية في «ضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل»، وأيضاً «في حماية حلفائنا وقواعدنا في المنطقة». وأضاف إلى ذلك قوله إن هذه الأمور هي التي كنا نضعها دائماً في قائمة القضايا التي تستحق أن تُخاض الحروب من أجلها. وبالرغم من أن للولايات المتحدة أهدافاً أخرى في سوريا بما فيها حماية المدنيين وإسقاط نظام الأسد، فإنها لم ترقَ إلى مستوى المصالح العليا، ولهذا السبب لم تكن كافية لدفعنا إلى الحرب. ويتوجب على الرئيس الآن أن يشرح استراتيجيته الكبرى، وأن يخبرنا عن وجه ارتباطها بعملية القصف بالقنابل. ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنهم يعتمدون خطة بالغة التطور في سوريا بالرغم من أنها لم تسجّل النجاح المتوقع منها فيما سبق. وتقضي هذه الاستراتيجية التي تم اعتمادها هذا العام بعد أشهر من الجدل المحلي، بتدريب وتسليح الفصائل المسلحة والمعتدلة والموالية للغرب من الثوار السوريين، بحيث يُعقد الأمل على تزايد قوة تأثيرها ونفوذها في المستقبل. ويكمن الهدف من كل ذلك في مساعدة الثوار على قلب حالة التوازن القائمة على الأرض لمصلحتهم، ليس فقط في حربهم ضد حكومة الأسد بل أيضاً ضد فصائل المعارضة المتحالفة بتنظيم «القاعدة». ويمكن لأفضل سيناريو أن يتمثل في إضعاف الحكومة بشكل متزايد وتقوية الثوار في مقابل ذلك، وللدرجة التي سيقبل معها الفريقان المتصارعان السعي الجاد إلى تشكيل حكومة جديدة. إلا أن التسليح المقنّن والمتوسط للمعارضة المعتدلة لم يؤدِّ حتى الآن إلى تقويتها بما يكفي لزيادة ثقلها، لا على أرض المعركة، ولا على فرض المفاوضات السياسية بالقوة. وهذا يعني حتى الآن أن استراتيجية الولايات المتحدة التي تركز أصلاً على هدف ضيّق، حرمت كلاً من حكومة الأسد وأنصار تنظيم «القاعدة» من تحقيق الانتصار. ونتيجة لذلك، فإن الأهداف الآنية لأوباما يجب أن تنحصر بمعالجة مشكلة الأسلحة الكيميائية، وأن تردع الأسد عن التفكير في استخدامها مرة أخرى. وأما هدفه ذو المدى المتوسط فيكمن في إبقاء الحرب الأهلية ضمن الحدود التي يمكن التحكم بها مع الأمل في أن تكتسب المعارضة الحليفة للغرب المزيد من القوة. ولا تبدو هذه الصورة واعدة. فالحرب يمكن أن تتواصل لسنوات وأن تحصد المزيد من الضحايا من الطرفين. وفي نهاية المطاف يمكن للمعتدلين أن يخسروا المعركة. ولا تبشر الحلول البديلة إلا بما هو أسوأ. ولهذا يمكن القول إن الردع هو على أقل تقدير الحل المتوافر والأقل انطواء على السوء في هذه الأزمة المستعصية. دويل مكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة «إم. سي. تي انترناشونال»